أنا أرى جانبا مهما يمكن أن يساهم في محاربة الفساد وهو توظيف صحيح للجانب الديني والأخلاقي في التعليم.
لا أتكلم عن الأمور التي تخص الإنسان وعلاقته بربه من أنواع العبادات فهذه لا تقبل النقاش أساسا، ولن تؤثر على أحد سوى الفرد نفسه، وإنما أتكلم عن الأمور التي ستؤثر على المجتمع الذي سيكون بعد مدة من الزمن مكونا من جيل جديد.
فمادة القرآن الكريم أصبحت تُدرس سورا كتلاوة وتجويد وتسميع فقط أكثر من أنها تدرس كتدبر وكاستخراج معان حقيقية، يجب أن تُحول إلى نهج يسير عليه أطفالنا في الحياة اليومية لتهذب سلوكهم بشكل يخدم جودة المجتمع الذي نريده أن يكون في المستقبل.
إن أكثر المشاكل والجُنح والتصرفات غير الأخلاقية والتعديات غير القانونية التي تثقل كاهل الدولة وتؤخر تقدمها هي في الأصل تأتي من طفل يسكن بداخل ذلك الراشد الذي لم تُعزز بداخله عظمة تلك الأمور. طفل أهملنا زرع القيم والمبادئ بجذور عميقة فيه. فنحن لا نريد مخرجات تعليم عالية ولكنها فاسدة وعلى سبيل المثال وليس الحصر لا تعي أهمية الالتزام (بالأمانة) مثلاً وعلى أقل تقدير فالذي يعي حجم الأمانة لن يختلس المال العام أو أموال شركة أو مؤسسة، ولن يسرق حسابات ولن يغش في سلع ولن يهمل مريضا و لن يُزّور وثائق، وباختصار لن يكون طُعما سهلا للفساد الذي نحاربه، ولكم أن تبحروا في غير ذلك، من أهم الأخلاقيات التي يجب أن يكثف عليها التركيز في تعليم أطفالنا، والقرآن خير مُعلم ومُربٍ لأجيالنا، يعلمهم ويوجههم كيف يتصرفون وكيف يكونون نموذجا لن أقول مثاليا ولكن على الأقل يكون نموذجا صِحيا عقلياً وفكريا، فصحة العقول والأنفس ليست أقل أهمية عن صحة الأجساد التي يُبذل من أجلها الغالي والنفيس.
تفكروا قليلاً عما سنكون عليه لو كثفنا التركيز على تعليم أطفالنا ـ الذين هم مجتمعنا القادم ـ مبادئ وقيما هي موجودة أساساً في ديننا الذي نعتز به وهويتنا التي تزيدنا قوة بين الشعوب، أم أننا فقط نريد أن نهزأ بهمجيتنا وعدم احترامنا لصف في طابور مثلاً ونريد أن نكون برُقي المجتمع الغربي الذي هو في الأساس إن وُجدت به بعض المزايا فهي موجودة من قبله في قِيم ديننا الإسلامي.
إنني أعتقد بأنه إذا لم يتم تدارك الأمور فإن الجيل القادم سيكون جيلاً هجينا ضائعا خاليا من القيم والوطنية ومشوها بأخلاقيات قد تدمره، يأخذ من الحضارة الغربية أسوأ ما فيها ويترك قيم ومبادئ دينه وحضارته وأحلى ما فيها.