كانت كلمة وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان صريحة جداً عندما قال في الملتقى الإعلامي لإعلان ميزانية 2021 «عادت لنا العزة بأننا الأقوى والأمكن في إدارة سوق النفط»، وهذا يرجع في رأيي ورأي الكثير من المهتمين والمتابعين إلى السياسة القوية والسريعة والواثقة التي اتبعتها السعودية بعد حادث الهجوم الإرهابي على مصفاة النفط في بقيق، وأيضاً في مواجهة تأثيرات جائحة كوفيد- 19، بدءاً من اكتتاب أرامكو السعودية، وصولاً إلى اتفاقات أوبك+ وزيادة الإنتاج النفطي وخطط التعويض.

إن تربع السعودية حالياً خلف دفة قيادة أسواق النفط لا يعني أن لها اليد العليا في كل مجالات الطاقة، ولكن الحقيقة التي لا غبار عليها، أن المملكة تسير بخطى سريعة وواضحة للمتابعين لأن تكون صاحبة القرار العالمي في قيادة أسواق الطاقة كلها، من مصادر الطاقة الأحفورية النفطية إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة إلى مصادر الطاقة الحيوية.

فبالإضافة إلى تسلم المملكة قيادة أسواق النفط، لدى السعودية فرصة عظيمة لقيادة أسواق الطاقة الأخرى مثل الطاقة النظيفة والمتجددة وطاقة الهيدروجين والطاقة الحيوية وهذه الفرصة تنبع أولاً من إيمان القيادة السياسية العالي بإمكانية الدولة على تحقيق ذلك المنجز، ورؤيتها الطموحة 2030، وشعبها الذكي والمتوثب، وطبيعتها الجغرافية، وقدرتها المالية على ضخ مليارات الريالات في تأسيس البنى التحتية للطاقة النظيفة والمتجددة وهو بالفعل ما يتم إنجازه تباعاً الآن في دومة الجندل و13 مشروعاً آخر متوزعة في نواحي المملكة وأيضاً مشروع الهيدروجين الأخضر في نيوم.


تكمن نقاط القوة السعودية أيضاً في مجال الطاقة الهيدروجينية في مشروعاتها التي تجري الآن لتأسيس شبكة لغاز الهيدروجين الناتج من المصانع الكيميائية والبتروكيميائية وتنقيته وتصديره أو استخدامه محلياً. ولقد تم تجاوز مشكلات نقل الهيدروجين من خلال تحويله إلى أمونيا وتصديره وهو ما حدث بالفعل إلى اليابان.

ولأن الهيدروجين سيكون هو المستقبل الواعد للطاقة، فإن الدولة التي حباها الله بإمكانيات هيدروكربونية كبيرة يجب أن تستخدمها بطريقة تعود عليها بالأثر الأكبر، حيث تقوم وزارة الطاقة وبأيدي سعوديين وسعوديات – كما ذكر وزير الطاقة - بتعظيم الاستفادة من المصادر الهيدروكربونية. فبحسب التقارير، تستخدم المملكة الآن أكثر من 210 ملايين طن متري مكافئ من النفط في تلبية مجموع إمدادات الطاقة TEPS داخلياً. إلا أن 30%من هذه المكافآت الطاقية يضيع كفاقد في قطاع الكهرباء بسبب عمليات النقل والتحوير من شكل إلى شكل آخر من الطاقة، وهو ما جاء الأمر الملكي الكريم الشهر الماضي ليعالجه من خلال ضم قطاع الكهرباء إلى وزارة الطاقة لوقف الهدر الطاقي في مجال الكهرباء وإعادة تعظيم الفائدة من المكافئات النفطية التي يفقد ثلثها في الكهرباء.

هذا بالإضافة إلى أن قطاع المواصلات وقطاع الإنتاج الكيميائي والصناعي يستهلكان 87 مليون طن متري مكافئ من النفط، وهو ما يمثل 41%من مجموع إمدادات الطاقة. جزء من تلك المكافآت النفطية يضيع على هيئة انبعاثات من عوادم وسائل النقل، وأيضاً في أعمدة اللهب في المصانع والمعامل وقد نجح المركز السعودي لكفاءة الطاقة في خفض نسبة الفاقد بمقدار 10%في مجالات المواصلات من خلال تعظيم كفاءة المحركات واشتراطات الوقود.

كما أن مشاريع الطاقة المتجددة ستوفر ما يقارب 60 قيقا واط من الطاقة تمثل نصف احتياج المملكة من الطاقة في 2030م مع الرغبة في زيادة هذه النسبة للوصول للحالة المثالية من استخدام خلائط الطاقة في المملكة.

المملكة تهدف لخفض الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة كالنفط والغاز، وإعادة تجديدها من خلال استثمار كل طن متري مكافئ من الطاقة بدلاً من خسارته إما على هيئة غازات منبعثة إلى السماء أو على هيئة رواسب غير مستفادة. وأيضاً إلى تعظيم إسهام مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة في خليط الطاقة.

وعلى الجانب الآخر، تعمل السعودية على تطوير تقنيات جديدة لمحرك كتلة الهيدروجين في أرامكو السعودية، وذلك باستخدام غاز الهيدروجين كوقود للسيارات بدلاً من السيارات الكهربائية وتصدير التقنية والهيدروجين والكهرباء التي ستفيض من كل هذه الخطط، ما يجعل المملكة لديها اليد العليا في بيع إما النفط أو الهيدروجين أو الكهرباء أو استخدامه داخلياً.

وعلى الرغم من تلك العبقرية التي تقودها جهود صادقة ومخلصة للوطن، فإن الطموح لا يتوقف، فنحن ننتظر الآن على أحر من الجمر صدور الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي يجب على كل قادة القطاعات المستهلكة للطاقة استيعابها والعمل بها.