تمكنت المرأة دون أن نشعر ودون أن تمر علينا كل التحذيرات التي أحرقت القلوب خوفا وامتعاضًا، وكأن شيئا لم يكن في الواقع، بل تمكنت علما وعملا وتطورا، وكانت خير عونٍ للرجل وبكل مرونة وهدوء.
ما جعلني أكتب هذه المقالة، كنت في أحد المطاعم المعروفة وإذ بمن يستقبلني فتاة -هنا لا مشكلة في الأمر فقد كنت داخلًا في قسم العوائل- ولكن الفتاة ذاتها هي من قدمت الطعام!
انتهيت من الأكل وتوجهت إلى مغسلة الرجال وكانت تقع في قسم الأفراد، فتفاجأت بالفتاة نفسها في هذا القسم المليء بالرجال تنظف الطاولات لهم وتزيل بقايا الحرب التي تركوها، وهُنا عاد لي فضولي لأتساءل: هل جميع من في المطعم نساء؟
وما بين التأييد والممانعة توجهت مباشرة للطلبات الخارجية وإذ بهم عمالة أجنبية يقف العشرة أشخاص ما بين مُعِد طعام وكاشير، والبقية في المكاتب ذات الطابع الرسمي جدًّا.
خرجت من المطعم والفضول والاشمئزاز يمتلكاني، وعدت مجددًا بعد أن قطعت طريقًا طويلًا ودخلت على مدير المطعم «الأجنبي»، وكأنهم في نهاية دوامهم، متعذرًا بنسيان محفظتي، فسمح لي بالدخول مشكورًا، فتوجهت مباشرة للقسم المراد فوجدت هذه الفتاة، فسألتها كثيرًا وجاوبتني قليلًا خوفًا من نظرات المدير الأجنبي التي تأكلنا من بعيد. أجوبة تمنيت أني لم أسمعها من قبل، وتحول فضولي إلى حزن بلغ أثره في نفسي ما قد بلغ، بأنها تحمل شهادة «البكالوريوس»، وأنها قبلت بالعمل لديهم في مهنة مناسبة لمؤهلها، وإذا بالواقع ينقلها إلى ما شاهدته، وقالت إنها لا تستطيع تغيير المكان لكون منزلها قريب، وتنفق على والديها كعائل وحيد لهم.
وطننا الغالي الذي أعز مواطنيه ومكنهم على أعلى المستويات، العمل ليس عيبًا ولكن المواطن هو أولى.
كلامي ليس عنصريا بتاتا، ولكن وطني أولى بالكفاءات التي ستتبدد أحلامهم بسبب توظيف القرارات السليمة بأيدٍ أجنبية خوفًا على مكانتهم في وطننا.
«الوطن مكَّن كل ما يطلب وفوق الأحلام المأمولة، ولكن هناك من يعبث بهذا التمكين، فيجب أن تكون هناك مراقبة شاملة نحوهم والضرب بيد من حديد».