عندما يعتقد بعض المصريين أن كرامتهم بعد الثورة لا تكتمل إلا عندما يبيحون لأنفسهم شتم عشرين مليون سعودي والتهجم على رموزهم والاستهزاء بتاريخهم من أجل مهرب مخدرات، فهم يعيشون أزمة ثقافية وأخلاقية ويحتاجون إلى عقود من أجل تجاوزها. يبدو أن الوضع في مصر وصل الى درجة أن بعض المصريين منفصل عن الحقيقة وغارق في التخيلات ولا يريد أن يصدق الواقع الذي يعيشه ويسبح في بحور من الخيال والأوهام واستخدام الأكاذيب وتجاهل الحقيقة. وهي مرحلة حرجة تحتاج إلى صوت العقل والصدق مع النفس. ويبدو أن هذه الحالة ناتجة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي عاشها الشعب المصري خلال العقود الماضية، فكان الله في عون بعض المصريين على أنفسهم، وكان الله في عون من يتعامل مع هولاء.
مصر اليوم في حاجة إلى عقلائها وشرفائها أكثر من أي وقت مضى. ولعلهم يغتنمون الفرصة ليكفونا شر سفهائهم، أمثال تلك المرأة المنقبة التي بإمكانها تأليف قاموس للشتائم في خمسة أيام، والتي أتاحت لها إحدى الفضائيات أكثر من عشر دقائق مخصصة لشتم السعوديين بضمير مرتاح من التأنيب بكل تأكيد.
نريد أن نسمع صوت ملايين المصريين الذين عاشوا في السعودية بكل احترام وتقدير، نريد أن نسمع أصوات ملايين الحجاج والمعتمرين الذين يعبرون المطارات والمنافذ الحدودية السعودية دون أن يوجه لهم أي تهمة. إذا كانت جميع الشتائم التي وجهت لنا كسعوديين خلال الأيام الماضية بسبب أننا نريد أن نحمي بلادنا وأبناءنا من المخدرات ونمارس حقنا السيادي في تطبيق القانون على كل من وطئت قدماه أرض المملكة، فهذا يعكس خللا في الطريقة التي ينظر إلينا إخوتنا من خلالها والمتمثلة في أن السعودية وشعبها وقضاءها ورجال أمنها كاذبون وليس لهم مصداقية، وأنهم جميعا متآمرون على مصر وليس لهم عمل إلا تلفيق التهم للمصريين، ويأتي ذلك متزامنا مع فرضية أن المصري دائما على حق وأن السعودي دائما على باطل. الوصول إلى هذه القناعة لدى بعض المصريين يجعل حالتهم مستعصية على الفهم ويصعب محاورتهم أو مناقشتهم.
إن التعامي عن الجوانب الإيجابية في علاقة الشعب السعودي بالشعب المصري واختزالها في حفنة من اللصوص ومهربي المخدرات دليل على موقف سلبي لم يعد احتماله ممكنا. إذا وجد في سجون المملكة عدد من المجرمين فلدينا ملايين المصريين المحترمين الذين لم يجدوا غير التقدير والاحترام، لماذا يتم تجاهل التعامل السليم مع ملايين المصريين الذين أصبح البعض منهم يفضل البقاء في السعودية على مصر، ويتم الحكم علينا جميعا من خلال عدة أشخاص في السجون حالهم حال المساجين من جميع الجنسيات؟
لا يوجد اعتراض على كرامة المصري قبل أو بعد الثورة، وكرامة المصري هي كرامة لكل عربي وكل مسلم، ولكن يجب أن يكون واضحا أن الآخرين لهم كرامة، وأن الكرامة التي يتحدثون عنها هي للمواطن الشريف المستقيم الذي يحترم نفسه أولا ويحترم دولته ثانيا ويحترم الدولة التي استضافته ويحترم قوانينها. ومثال ذلك زملائي من المصريين الذين أعمل معهم بشكل يومي في جامعة الملك سعود، أما الضجيج والصراخ والعويل والتباكي على كرامة المجرمين ومهربي المخدرات فهو مؤشر واضح على اختلال القيم وفقدان كامل لصوت الحق.
يحق للإخوة المصريين أن يتغنوا بإنجازاتهم وبحضارتهم ذات السبعة آلاف سنة، ويحق لهم أن يفتخروا بدرجة تعليمهم وجوائز نوبل وبراءات الاختراع التي حصلوا عليها بالشكل الذي يريدون، وهذه حقوق مشروعة لا اعتراض عليها ونتمنى لهم المزيد من الازدهار، ولكن الذي لا يحق لهم بأي حال هو انتقاص الآخرين وتحقيرهم والاستهزاء بهم والتطاول عليهم، وإذلالهم بحجج ومبررات لم يعد يصدقها أحد عدا بعض من لا يزالون يعيشون بقايا خرافات حقبة عبدالناصر.
على الرغم من ضخامة قاموس الشتائم الجديد الذي تم تخصيصه للسعوديين هذه المرة، فلن نبادل إخوتنا بالمثل، لأننا نعرف أن هناك الملايين من المصريين الذين لم ولن يرضوا بهذه الأساليب، ولأن سب وشتم الأبرياء المعرضين ليس من شيمنا نحن السعوديين، التي تمنعنا من تعميم السب والشتم على جميع المصريين بسبب قلة لا تمثل الشعب المصري، ولن نسمح لهولاء بأن يدخلونا إلى بيئتهم المفضلة المليئة بالوحل، وصبرا جميلا والله المستعان.