ويبدو أن الإستراتيجية التي اتبعتها السويد لم تفلح في الحد من الانتشار، والنتائج المترتبة عليها لم تنقذ الإنسان من تبعات الجائحة، ولا هي التي أنقذت الاقتصاد، فالوفيات مقارنة بالدول من حولها تعد الأعلى بالمقارنة بعدد السكان، واقتصاد السويد لم يكن بأفضل حال ولا بمنأى عن التبعات، بل ازدادت الخسائر لتصل للقطاع الصحي، ففضل كثير من العاملين بالقطاع الانسحاب إما بالاستقالة أو التقاعد، فقد أوصلتهم الإستراتيجية للإعياء وربما الانهيار أو الاحتراق، لأن السويد بإستراتيجيتها اختارت المستشفيات كساحة للمعركة ضد كوفيد - 19 بدلاً من أن تكون لمداواة الجرحى!
تجربة السويد التي اتخذها الرافضون مثالاً يضربونه كلما فرضت قيود وإجراءات لمكافحة الوباء قد أدرك السويديون أنفسهم أخيراً فشلها، وبدؤوا في اتباع إستراتيجيات أكثر تشدداً وصرامة للحد من انتشار الوباء وتبعاته على حياة الإنسان.
نموذج السويد هو درس نتعلم منه أن السبيل لمكافحة كوفيد - 19 يبدأ بتقليل الانتشار لأدنى حد في المجتمع، وأن النجاح ممكن ومثبت بتجارب عدة، منها تجربة السعودية الرائدة، وتجارب دول شرق آسيا كالصين وكوريا الجنوبية، التي تمحورت حول الإنسان وحمايته باتباع المبادئ الأساسية للصحة العامة، وما أثبته العلم، عبر القيود المشددة كالإغلاق والتباعد الاجتماعي ومنع التجمعات، وفرض لبس الكمامة وتكثيف الفحوصات والتشديد على عزل المصاب وتتبع المخالطين، نرى أثر ذلك في عودة الحياة لتلك الدول إلى ما يقارب ما كانت عليه قبل الجائحة!
السويد لم تنتهج الإستراتيجية المخففة مخالفة للعلم أو عدم اكتراث بالإنسان وبحياته ولكنها انحازت لما اقترحه خبراؤها وعلماؤها؛ ظنًا منهم أن ذلك سينجيهم من ويلات الجائحة على الإنسان وكافة جوانب حياته، وأن الإستراتيجية المخففة أفضل في مواجهة وباء كوفيد - 19. وهذا تأكيد على أننا يجب أن نثق بالعلم لا بالعلماء فهم بشر قد يخطئون أو يقعون في فخ الغرور ومحاولة مخالفة العلم، استنادًا إلى تحليلات مضللة أو إنتاج علمي منحاز.
أعتقد أنه بعد نهاية تجربة السويد لم يعد هناك من لا يدرك خطورة كوفيد - 19، وأن الألم الذي سببته الإجراءات المشددة مؤقت ولا يضاهي الألم الكبير الذي خلفه الوباء، والذي ربما ستظل آثاره تذكرنا به لفترة طويلة بعد انتهاء الجائحة.
والتجربة السويدية تؤكد أن السبيل الوحيد لمكافحة مثل هذه الجوائح هو الاستعداد السليم والتسلح بالعلم والعمل المشترك، والأهم حماية الإنسان أولاً!.