بعد ثلاثة أيام من الإغلاق التام خلال عطلة عيد الفطر، وأسابيع من المعارك بين الثوار وكتائب معمر القذافي، استفاقت طرابلس أمس لتنفض عنها غبار الحرب وتستعيد الحياة فيها وتيرتها الطبيعية بشكل تدريجي. وعادت سيارات الأجرة تجوب شوارع المدينة واكتظت بعض الحارات بالمارة الذين خرج معظمهم للتبضع بعد أيام من الانعزال في منازلهم. وقال الشرطي عبدالقادر عمار (22 عاما) لوكالة فرانس برس "توقفت عن العمل في 20 أغسطس لكن الشرطة عادت إلى الطرقات، ونحن جاهزون لخدمة بلدنا من جديد". وأضاف وقد بدا خلفه حاجز يقيمه الثوار في منطقة باب البحر الراقية "الناس لا تزال متأثرة بالعيد وبالأحداث الأخيرة، لكن الأمور حتما ستسير نحو الأفضل من الآن فصاعدا". وتابع "سيارات الأجرة تعمل اليوم، والمارة يجوبون الشوارع، والأمور أصبحت ممتازة".

وفي البلدة القديمة وسط العاصمة، كانت أعداد قليلة من الناس تجوب الحارات و"الزنقات" رغم أن معظم المحلات لم تفتح أبوابها المصبوغة كلها باللون الأخضر أمام الزبائن. ووقفت امراة وثلاثة رجال أمام مضخة قرب حارة باي بنغازي يعبئون الماء في براميل شفافة. وقال رمضان الغدامسي (64 عاما) "نحصل على الماء من الآبار المنزلية كون المياه التي توفرها لنا السلطات الحكومية مقطوعة منذ أيام".

وتوزع عمال التنظيف بلباسهم الأحمر في أرجاء "ساحة الشهداء" التي كانت تسمى سابقا بالساحة الخضراء لإزالة نفايات تملأ شوارع المدينة كلها منذ أسابيع. وقال عامل التنظيف بابا سليمان (22 عاما) وهو من بنين "نعمل منذ يومين على تنظيف الشوارع لأن الأوضاع تبدو أفضل مما كانت عليه قبل أيام".

وعلى بعد أمتار من طرف الساحة الجنوبي، تحلق الناس حول باب المصرف التجاري الوطني يساجلون مسؤولين في المصرف الحكومي للحصول على المال. ورد عليهم هؤلاء بالقول "عودوا غدا وستحصلون على كل ما تريدون".

وقال المسؤول عن خزنة المصرف طلال الضغيس "بقينا نعطي الأموال للناس إنما من خارج المنظومة الرئيسية للمصرف وعبر وصولات ورقية". وذكر وهو يفتح باب الخزنة المحصنة فيما تحلق حوله عدد من الموظفين يحاولون استراق النظر لرؤية ما في داخلها "65 عاملا لم يتوقفوا عن العمل في المصرف رغم كل الأحداث".

وفي آخر الشارع الذي يضم المتحف يتوافد الزبائن على محل محمد عبدالله (30 عاما) الذي يبيع القهوة والشاي والمرطبات والأكلات الشعبية البسيطة. ويقول "هذا أول يوم لي في العمل بعد أن أغلقت محلي حوالي شهر، وأعتقد أن من لم يفتح محله يواجه صعوبات في التنقل والحصول على الوقود وليس أكثر". وتابع "خسرت أموالا، واستخدمنا احتياطاتنا من المال، لكن المسألة ليست مسألة عمل بالنسبة لنا، بل مسألة حرية في النقاش والكلام وإراحة الناس، ونحن متأكدون من أن الماديات ستأتي في المستقبل". ويتدخل زبون ليقول "هناك من قال في تونس لقد هرمنا، ونحن نقول لقد مللنا، واليوم يبدأ الفرج".