هنا لا نقصد الفاسد أو المنحل، أو الخارج عن كل عادة أو تقليد، نحن نتكلم عمن اختلفنا معه في مبدأ أو فكرة أو وجهة نظر.
فالواجب علينا أن نأخذ ونعطي في الكلام، وأن يكون الرد أفضل من السؤال وأن نحترم الأفكار أياً كان رأينا فيها، طالما هي بعيدة عن الخطوط الحمراء، التي لا يجوز المساس بها، فاحترامنا لهذه الأفكار لا يعني بالضرورة، رضانا عنها أو انصياعنا لها. لا يختلف اثنان في أن الاحترام هبة نمتلكها، ونقدمها لمن يستحقها، فنحن نحب أن يصفنا الناس بأننا أهل للاحترام، بحسن فعالنا وجميل تصرفاتنا.
ولسنا نطلق هذا الوصف على أي إنسان، فلا بد أن يتحلى بما يُستحسن من صفات في تعامله مع نفسه ومع الآخرين.
احترامنا للآخرين يجبرهم على احترامنا، فمن يزرع الورد لا يجني الشوك، ومن يشرب من النهر لن يتذوق ملوحة البحر، إن احترامي لمن حولي لا يعني بالضرورة أن يكونوا أكبر مني سناً، أو أعلى مني شأناً، فقد يصغرونني سناً، أو يقلون عني مرتبة، ولكنهم في النهاية أشخاص لهم احترامهم وتقديرهم.
وصدق من قال: إن الاحترام فن لا يتقنه كل من تعلمه.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان خير مثال لهذا الأمر، فقد كان يحترم كل من يحيطون به صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، أسيادا وعبيدا، فأعطِ كل ذي حق حقه، وكن أنتَ دائماً اليد العليا.
قال البارودي: ألا إن أخلاق الرجال وإن نمت،
فأربعة منها تفوق على الكل
وقـار بلا كبر، وصفـح بلا أذى،
وجـود بلا مَـنٍّ، وحلم بلا ذل.