وفي أول يوم سقت سيارتي انطلقت في جولة في شوارع المدينة لأراها بعيون أخرى غير التي كنت أراها بها لأتعرف على منعطفاتها، وأقف على تفاصيلها بنفسي.
تجولت وتجولت، وبين الجولة والجولة أقف تارة عند متجر لأشتري سلعة، وتارة عند معرض لألقي نظرة، وتارة عند محطة بنزين حين أحتاج ذلك، ثم عرجت على البحر، في جولة غير مسبوقة على الشاطئ، كل ذلك وأنا أرى كل شيء مختلفًا بجمال غير مسبوق وشغف غير معهود.
أتعلمون ما هو السر في ذلك أعزائي؟ إنها فرحة الاستقلالية وقوة الاستحقاق، جعلت مني نسرًا يحلق عاليًا واثقًا لا تهزه ريح، ولا يلتفت لهزيم رعد ولا لوميض برق، كل همه التحليق والاعتماد على نفسه.
لن أطيل عليكم، سأخبركم بالمهم هنا وهو أنني عندما عدت إلى منزلي بعد تلك الجولة الطويلة الممتعة المليئة بشغف الاستكشاف، وفرحة الاستقلال، وخلدت إلى سريري في نومة هادئة استيقظت صباح اليوم التالي وكان أول عمل قمت به هو أني أشرفت من شباك غرفتي على الخارج، قد لا تصدقون ماذا رأيت!! لقد رأيت الشمس مشرقة من مشرقها ككل يوم، والسماء زرقاء زرقتها المعهودة، والهواء يهب، والطيور تغرد، والناس في شؤونهم هذا غاد وذاك رائح، كما شممت رائحة الخبز تنبعث من المخبز المجاور أشهى ما تكون، يعني باختصار لم أر علامة للقيامة ولا إشارة لدمار شامل كان متوقعًا أن يعم البلاد والعباد في حالة سُمح لنا بقيادة السيارة!! ولم أر نساء يتسكعن هنا وهناك!!
تنفست الصعداء،ثم رجعت إلى نفسي وراجعت ديني وعقيدتي وتلمست مبادئي فإذا بها ثابتة في مكانها لم تسقط في محطة بنزين، ولم أتركها في متجر من المتاجر التي زرتها بالأمس، ولم أفقد شيئًا منها على الشاطئ، وتذكرت أهلي وعائلتي فإذا مشاعري تجاههم كما هي لم أشعر نحوهم برغبة في التبري منهم ولا بالتمرد عليهم، ولم أضمر نية في التصرف بما يسيء لوطني ولا الظهور بمظهر لا يليق به وبي.
لما (سقت سيارة) لم أنفلت كناقة انفلتت من عقال، أو كمختل هرب من مصحة نفسية، كما كانوا يتوقعون، بل خرجت بكامل إدراكي للمسؤولية وتمام وعيي بمن أكون وعلى أي أرض أمشي، وماذا أريد أن أكون بهذه الحرية والاستقلالية.
فيا كل من صورني وبنات جنسي في هذه البلاد الكريمة بصورة لا تعكس حقيقتنا ولا تمثل ديننا وثقافتنا، ولا تنصف تربيتنا.. هل أنتم معتذرون !!