استضافت الرياض افتراضيا قمة مجموعة دول العشرين (G20) في 21 و22 نوفمبر 2020، التي بدأت أعمالها منذ العام الماضي، في سبيل تحقيق غايات الشعوب وحماية كوكب الأرض باتفاق الدول الكبرى العشرين ذات الاقتصادات الأقوى، وذلك من خلال خفض تأثير الأعمال الصناعية والاقتصادية إلى الحد الأدنى الممكن، لمنع زيادة درجة حرارة الأرض إلى أكثر من درجتين مئويتين خلال هذا القرن إلى ما قبل 2100.

الجديد في هذه القمة أنه على الرغم من أنها الأولى التي تستضاف افتراضيا بسبب جائحة كورونا، فإن السعودية كبلد مضيف ركزت على طرح مبادرات عملية فعّالة، لخدمة البشرية، متجاوزة مفهوم المنفعة الاقتصادية البحتة، وذلك في مجالات الطاقة والبيئة والمناخ، بالإضافة إلى المبادرات الأخرى التي عنيت بدعم اقتصادات الدول الفقيرة خارج دول العشرين، لمواجهة تحديات الصحة والبيئة.

ومن أهم هذه المبادرات، في الإطار الاقتصادي والبيئي، التي جاء التوافق عليها ليمثل إنجازا هو الأول من نوعه في تاريخ مجموعة العشرين، هي مبادرة «الاقتصاد الدائري للكربون» بأركانها الأربعة: خفض الانبعاثات وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها وإزالتها، والتي تهدف إلى إدارة انبعاثات الكربون وخفض أي تأثيرات سلبية مرتبطة بها، وهي المبادرة نفسها التي ستطلقها السعودية قريبا على المستوى الوطني ضمن الإستراتيجية الوطنية للطاقة كجزء من مستهدفات «رؤيتها 2030»، بقيادة عرّابها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.


السعودية بهذه المبادرة تمارس دورها المسؤول كرئيس لمجموعة العشرين، كون العالم يواجه تحديات بمجال الطاقة بأنواعها في أربعة جوانب رئيسية: أمن الطاقة، والكفاءة الاقتصادية للطاقة، وصلاحية الطاقة للبيئة، وسلامة الطاقة. ولأن مواجهة هذه التحديات مرتبطة بالظروف الوطنية الخاصة لكل دولة، بمعنى أن ما ينطبق على الدول الغنية أو المصدّرة للطاقة قد لا ينطبق بالحال نفسه على الدول التي لا تملك موارد أو مصادر للطاقة أو الفقيرة، فقد كانت فكرة الاعتماد على مفهوم خليط الطاقة هي الحل الأنسب لجميع الدول، بحيث يعتمد العالم على خليط الطاقة في إمداده باحتياجاته من الكهرباء والتدفئة وغاز الطهي ووقود الطائرات والسيارات حسب قدرة كل دولة على شراء أو إنتاج النوع المحدد من الطاقة.

التوجه نحو الطاقة المتجددة والذرية قد يعالج مشكلتي أمن الطاقة وصلاحية الطاقة للبيئة، لكنه لا يعالج مشكلة سلامة البيئة أو كفاءة الطاقة اقتصاديا.

وبمعرفة أن التحدي الوحيد في مجال الطاقة الأحفورية التقليدية الكربونية هو ملاءمتها للبيئة، فإن هذه المشكلة يمكن تجاوزها من خلال المبادرة السعودية تحت مسمى «الاقتصاد الدائري للكربون»، الذي عرضت السعودية دليله الإرشادي في أثناء استضافتها القمة بداية الأسبوع.

وعلاوة على هذا، فإن الجانب المشرق في الطاقة الأحفورية هو كونها طاقة آمنة وذات كفاءة عالية ومعدل سلامة معقول، وهي من الأهمية بمكان لإنتاج «الأمونيا الزرقاء» و«الهيدروجين الأزرق» ومنتجات الأسمدة والبلاستيك والمطاط، وغيرها من المنتجات التي رفعت جودة حياة الإنسان على كوكب الأرض، بحيث يستحيل الاستغناء عنها أو عن إنتاجها.

وبالنظر للصورة الكبيرة على مستوى العالم حتى 2050، فإن الطلب العالمي سيزداد على الكهرباء من أقل من 30.000 تيرا واط للساعة إلى أكثر من 47.000 تيرا واط للساعة، مدفوعا بزيادة سكان كوكب الأرض %23، وهي الزيادة التي ستزيد من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وترفع الطلب عالميا على منتجات الطاقة التقليدية بمعدل %200.

وبالرغم من هذا، فإن السعودية تدرك أهمية أن تبقي التوازن بين جميع مكونات خليط الطاقة، بما يوفر الاستدامة البيئية من جهة وضمان إمداد الشعوب بالطاقة التي يحتاجونها بالطريقة التي يمكنهم تحمّلها من الناحية الاقتصادية من جهة أخرى.

جاءت مبادرة «الاقتصاد الدائري للكربون» لتساعد العالم على النمو الشامل في مجال الطاقة، مع معالجة مشكلات الكربون المنبعث من خلال التقاطه واستخدامه من جديد، لكي لا ينبعث إلى الفضاء، ليضاعف مشكلة الاحتباس الحراري، ويرفع درجة حرارة الأرض.

وحيث إن السعودية حاليا هي الدولة الأولى عالميا في مجال التقاط الكربون بما يقارب من مليوني طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون في منشآتها الصناعية الكبرى، قابلة للزيادة إلى 5 ملايين طن مترى في 2030، وهي أيضا الدولة الأقل بعثا للكربون من دول الطاقة، فإنها جديرة أن تقود هذه المبادرة التي تحقق التزامها الحقيقي والريادي باتفاقية باريس للتغير المناخي، وأن تختار التوازن في إدارة الكربون، لضمان استدامة إمداد الطاقة للجميع، لما فيه رخاء الإنسان والمحافظة على سلامة كوكب الأرض.