وأسهمت التقنيات المخبرية الجزيئية في العقدين الأخيرين، وعلى رأسها نظام التسلسل الجيني، في فك شفرات الحمض النووي للجينوم البشري، الذي بدوره أسهم في معرفة التغير الوظيفي لكثير من الجينات في جسم الإنسان، حيث تعمل الجينات أو المورثات على نقل المادة الوراثية من الآباء إلى الأبناء، وبالتالي من جيل لآخر، وعلى ضوء هذا النسق، فإن أي خلل وظيفي في هذه الجينات يكون سببًا لتوارث العديد من الإعتلالات الوظيفية في جسم الإنسان.
حتى هذه اللحظة لا يوجد مسبب واحد متفق عليه لحدوث الخلل الجيني والإصابة بالأمراض الوراثية، ولكن هناك العديد من العوامل التي تزيد من فرصة حدوث تغير في البنية الأساسية للجينات، يأتي في مقدمتها زواج الأقارب كعامل رئيس، وعوامل أخرى مثل التلوث الإشعاعي وتغير النمط البيئي والإصابة بالفيروسات.
ويعتبر الفحص الجيني أحد أهم روافد الارتقاء بالنظام الصحي الحديث، حيث يهدف إلى تحليل ومعرفة الجينات التي تكون سببا في حدوث طفرات جينية، وبالتالي نشوء أمراض وراثية وسرطانية تثقل كاهل الوالدين والمجتمع. وفي هذا السياق، تأتي مبادرة «الجينوم السعودي»، لدعم الطب الجيني كأحد أبرز المشاريع المهمة من أجل تعزيز الجهود المبذولة في الكشف عن الأمراض الوراثية في مرحلة مبكرة، وبالتالي تفادي التأثيرات المستقبلية والحصول على جيل آمن.
وظهر أخيرًا العديد من الإعتلالات المعقدة التي نُسبت لاضطرابات جينية واختلال في النمط الوراثي في الخلية، ويأتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- «فقر الدم المنجلي» الذي يكون عبارة عن اختلال في هيموجلوبين الدم، ينتج عنه عدم انتقال الأوكسجين إلي الخلايا بشكل طبيعي، وعادة يتم اكتشاف هذا المرض في سن مبكرة، وفي هذا النوع من المرض يتم توريث جين مصاب من الأم والأب.
2- «متلازمة داون» الذى يكون نسخة إضافية من المادة الوراثية على «كروموسوم 21»، ينتج عنه اضطراب ذهني وتأخر في النمو الجسدي.
3- «مرض هنتنغتون» الذى يكون بسبب اختلال جيني واحد، وفيه يعاني الشخص المصاب إعتلالات عصبية وحركية ونفسية، واضطرابا في القدرات الوظيفية.
4- «متلازمة ألبرت» الذى يتشكل بعد حدوث طفرة وراثية في الجين المسؤول عن إنتاج مادة الكولاجين في الجسم، وينتج عن ذلك اختلال وظيفي للأوعية الدموية المغذية للكلى، مما يؤدي إلي قصور كلوي حاد في مراحله المتقدمة.
5- «الأمراض السرطانية»، حيث تتحكم الجينات بشكل مباشر في انقسام الخلايا في جسم الإنسان، لضمان تجددها، وحين حدوث طفرات في التسلسل الوراثي للجين ينتج عن ذلك انقسام لا محدود في خلايا الأنسجة، مؤديًا إلى السرطان، ويأتي في مقدمة ذلك سرطانات الثدي والمبيض التي تنشأ في حال نشاط الجين «BRCA1/BRCA2».
ومن الأمراض السرطانية الشائعة على جميع مستوى الأعمار سرطانات الدم، وفي مقدمتها اللوكيميا أو ما يعرف بـ«الإختلال في عدد كريات الدم البيضاء» نتيجة الطفرات الجينية التي يتم فيها تغير مواقع بعض الجينات من مكان لآخر مثل جين BCR-ABL. كما أثبتت الدراسات حديثا ارتباط العديد من الأورام، ويأتي في مقدمتها كل من سرطانات القولون والرئة والبنكرياس، بحدوث طفرات وراثية بنسبة تجاوزت 50٪ من مجموع الحالات المصابة.
وتعد مبادرة «الجينوم السعودي» أحد أوجه التعاون المشترك والناجح بين القطاعات الحكومية في المملكة العربية السعودية، التي تسهم في تقديم أفضل ممارسات الخدمة المشتركة، وتحسين الجودة وتطوير سير العمل وفق أهداف «رؤية المملكة 2030».