كل شيء يمكن قبوله في بيئة العمل.. الإحباطات.. التجاهل.. النسيان.. عدم المساواة.. سلبيات كثيرة قد يقبلها العامل.. وقد يتصالح معها.. أو يعيش على أمل التصالح معها يوما ما.. لكن أمرا واحدا لا يمكن للعامل قبوله.. من نيجيريا والنيجر وحتى شيلي وهاواي.. وهو تأخير نزول الرواتب!
مهما كانت مرتبة العامل ومهما كان مرتبه، ومهما كان موقعه، لا يمكنه قبول تأخير راتبه يوما واحدا.. حتى أولئك الذين ليسوا بحاجة لرواتبهم تجدهم يطمئنون على إيداعها نهاية كل شهر! الشيء الذي لا يمكن فهمه ـ أو بمعنى أدق فهم استمراره ـ هو تأخير رواتب العمالة.
أصبح تجمع العمالة أمام مقارالمحافظات أو مكاتب العمل ظاهرة طبيعية.. آخر ما قرأت تأخر صرف ثلاثة رواتب لحراسات أمن خمسة مستشفيات في إحدى المناطق ـ وأقول إحدى المناطق لأن الأمر لم يعد حصرا ولا حكرا على منطقة دون أخرى ـ الأمر المستفز في الموضوع هو أن مديرية الشؤون الصحية هناك اكتفى دورها بمطالبة جميع الشركات بعدم تأخير صرف مستحقات العمالة، كأنها تقول: "تكفون اصرفوا الرواتب بلاش إحراج"!
وفي منطقة أخرى تجمع العمال أمام مكتب العمل للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة منذ أربعة أشهر.. وفي منطقة ثالثة دخل عمال إحدى البلديات شهرهم الثاني دون رواتب!
هذا حصاد شهر واحد فقط من المتابعة، وفي كل شهر هناك حكاية جديدة، وفي كل مرة تخرج وزارة العمل ـ آخرها الشهر الماضي على لسان نائب الوزير ـ لتقول للرأي العام إنها: "بدأت في رصد ومتابعة تأخير الرواتب بحزم ودقة. وإن مثل هذه الممارسات يعاقب عليها نظام العمل"! أعجبتني مفردة "بحزم".. وطالما التهديد والحزم على صفحات الصحف فستستمر هذه المأساة الإنسانية!