تربى على مشارب فنون مكة المكرمة، كل ألوان فنون وتراث الذين سبقوه. لم يكن في الموال أو المجس والدانات التي يقدمها ما يميزه بين زملائه الفنانين، لكن أداءه لها، وصوته الجهوري هو الذي كان علامة فارقة ميزت الفنان عبدالله محمد.

حياة صعبة

بين جبال وروابي الطائف ترعرع، وتحت ظلال أغصان التين عزفت أوتاره أعذب الألحان مع زخات المطر وتغاريد الطيور ورقرقة الماء الجاري في السهول والوديان. بشرت ألحانه بتغيير مفصلي في طريقة اللحن السعودي التقليدي آنذاك وانتشاره، ولو أن بعض أشهر ما نسمعه اليوم، وما قدمه في مشواره لم ينتشر جميعه باسمه، لضعف توثيق تلك المرحلة.


في صباه واجه حياة صعبة، عمل في المنازل لخدمة الأهالي وتلبية احتياجاتهم، لكسب لقمة العيش. عندما كبر قليلاً انتقل إلى الرياض، فتح بقالة لبيع المواد الغذائية. تلك الحياة الصعبة، أوصلت ألحانه المرنة، الممزوجة بروح المجتمع، للمتلقي بسهولة، دون أي تكلف فيها.

سويعات الأصيل

بدأ عبدالله محمد مشواره كضابط إيقاع، قبل أن يتعلم العزف على العود، ثم التحق بفرقة موسيقى الجيش. تعرف هناك وعمل مع الفنان طارق عبدالحكيم الذي كان رئيساً لفرقة موسيقى الجيش السعودي، واهتم به ورعاه ووجد منه الكثير من التشجيع.

تأثر تأثراً كبيراً بالفنان حسن جاوه، واستفاد أيضاً من سماعه لأغاني فنانين من خارج المملكة آنذاك مثل محمد الماس ومحمد جمعة خان ومحمد زويد وعيسى بورقبة وعبدالله فضالة وعبداللطيف الكويتي وغيرهم، ما شكل لديه خلفية موسيقية غنائية ساعدته لاحقاً. لُقب في شبابه بلقب (الدودحية) بسبب حفظه القوي للأغاني اليمنية. أول أغنية له كانت (سويعات الأصيل) التي تعد من أوائل الأغاني التي شكلت معالم الأغنية ‏السعودية الحديثة، وكان يعتز بها كثيراً، بعد ذلك غناها صديقه طلال مداح.

بدايات

في (مسرح التلفزيون) كانت البداية الفعلية لعبدالله محمد، رسمت انطلاقته بأغنية (إيه ذنبي يا أسمر) من كلمات إبراهيم خفاجي وألحانه، ولاقت انتشارا كبيرا في ذلك الوقت. استمد (عبدالله محمد) موسيقاه من حياته المتبعثرة، وكان من أوائل الفنانين الذين سافروا إلى بيروت في الستينيات الميلادية، إذ رافق بدايات طلال مداح وجميل محمود. صور في تلفزيون لبنان حفلة قدم خلالها عددا من الأغاني منها (هيجت ذكراك حبي) من كلمات عبدالله فتح الدين، وسجل أغاني لشركات الأسطوانات هناك مثل (حيران ولي سنة) من كلمات إبراهيم خفاجي و(ياللي أسراري معاك) من كلمات صالح جلال، و(قد ابحت في الوجن) كلمات (بكر حوباني)، و(حمامة الوادي) من كلمات (بديوي الوقداني) وغيرها من الأغاني، من ضمنها أغنية (دويتو) مع الفنانة (نزهة يونس) بعنوان (محاورة الحب). عُرض عليه العمل في بعض مسارح بيروت مثل (متنزه شاهين) الذي احتضن بدايته هناك، وشهد هذا المكان على دوره البارز في نشر الأغنية المحلية خارج الوطن، وحظي بإقبال منقطع النظير في سهراته الفنيّة هناك.

تحذير وعهد

اتفق النقاد على أن عبدالله محمد كان رفيقا ومعلما لطلال مداح، عندما سمع صوته أعجب به. كان ذلك خلال زيارة لبيت طلال، يومها لم يصدق طلال أن فنانا بحجم عبدالله محمد جاء لرؤيته. المفاجأة أن أهله نصحوه بألا يماشي هذا المتمرد ! وأيضا بحكم أن (طلال) مقدم على زواج، فأبلغه بنصيحة أهله، فما كان من عبدالله إلا أن عاهده بألا يسبب له أي إحراج، فوافق طلال) على عهد الصداقة، ما شجعه على أن يستأجر شقة بالقرب من بيت طلال، تعلم فيها من عبدالله محمد كل أصول الغناء، وحفظ منه معظم أغاني التراث.

تعدد شعراء

غنى عبدالله محمد لعدد كبير من الشعراء، أبرزهم الشاعر فالح في أغنية (سوى في قلبي محل)، وشدى بها في حفلات مسرح التلفزيون، وغنى للأمير محمد العبدالله الفيصل (على هونك). وغنى من كلمات بدر بن عبدالمحسن (لا تنسانا) و(ما تعدى الليل)، وللأمير عبدالمجيد بن سعود 3 أغان هي (حلمك علي) و(بسمة) و(العيون الساهرة). ولإبراهيم خفاجي غنى عددا كبيرا من الأغنيات، منها (أنا عايش)، (حيران وليّه سنة)، (خواف)، (أشيلك من عيون الناس)، (محرومين)، (يا فايتني ومتعدي). أما ثريا قابل فغنى لها (شهود الحب). ومن كلمات سعد الخريجي غنى (ليش تزعل)، ولمصطفى زقزوق أغنيتان هما (تفكريني بحبك ليه) و(كفاية معاك)، كما تعاون مع صالح جلال في أغنية (ياللي أسراري معاك).

علبة كبريت

رغم أنه لا يجيد القراءة، ما يضطره لحفظ الكلمات حتى ينتهي من تلحين النص، إلا أنه تميز بأنه كان يملك قدرة على تلحين النص بسرعة هائلة، وإنتاج الجُمل الموسيقية في قمة الجمال، ساعده في ذلك حفظه للكثير من أغاني التراث، وكان له دور فعال في تطوير التراث والخروج بذخائره في قوالب فنية متجددة. كان يلحن على رتم صوت علبة الكبريت، وأتت معظم ألحانه على هذا النمط. ذكر في أحد حواراته، أنه لحن أغنية (يا صاحبي) التي غناها طلال مداح خلال 24 ساعة فقط.

سفينة ألحان

غنى من ألحانه الكثير من الفنانين والفنانات، فهو يُلَقب بـ (سفينة الألحان). غنى طلال مداح له الأغنية التي أطلقته في عالم الفن والشهرة (وردك يا زارع الورد)، إضافة إلى (من عيوني)، (يا ‏صاحبي)، (قلي بربك)، (انتظاري طال)، (اسمر شبك قلبي)، (شاءت الأقدار)، (يا قمر تسلملي عينك) و(يا خالق الإنسان).

بعد ذلك ظفر محمد عبده بلحن أغنية (هيجت ذكراك حبي)، وتتابع بعدها تعاونه معه في أغنيات (مادرينا)، (وفيّ دينك)، (أنا داري). و‏كان لعبدالله محمد دور بارز في نشر الأغنية السعودية خارج الحدود حينما لحن ‏لعدد من المطربين العرب، فلحن لهيام يونس أغنية (شفت الريم)، ولنزهه ‏يونس أغنية (الحب أنت وأنا) من كلمات (محمد طلعت).

قالوا

طلال مداح

ضعوا بيني

وبين عبدالله محمد استراحة طويلة.

محمد عبده

أغانيه طبعت

مرحلة مهمة من مراحل الغناء السعودي

بطابعها.

عمر كدرس

من الصعب تجاوزه

على المسرح إذا سلطن، يتحول إلى غول ينسى نفسه، وينصهر مع الجمهور لدرجة التوحد.

عبدالله محمد الصعدي

- ولد عام 1930.

- عُين في 1987 مشرفاً على لجنة الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون بالطائف.

- تزوج وهو على مشارف الخمسين.

- أصيب في آخر حياته بجلطة تسببت في شلل جزئي أبعدته عن الساحة الفنية.

- توفي عام 1998 بمدينة جدة.