بين فترة وأخرى، تنظم المدارس على اختلاف مراحلها، رحلات تثقيفية أو ترفيهية أو معرفية، الهدف منها إثراء الطالب معرفيا، وزيادة معلوماته في مجال أو حدث أو مؤسسة ما وخلق حالة من الوعي تجاه هذه المؤسسة أو المجال، فتوجه الرحلات إلى معارض الكتب والمهرجانات والجامعات والمصانع ومدن الألعاب وغيرها الكثير، لكن بعض مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وفي الوقت الذي ترفض فيه تنظيم رحلات معرفية إلى معرض الكتاب أو مهرجان الجنادرية بحجج واهية لا تكاد تخفى على أحد منا، وقبل أن يتم التثبت منها، مثل كونها مظنة للاختلاط والسفور، بالرغم من وجود الأساتذة برفقة الطلاب طوال مدة الرحلة، غاضة الطرف عن الفائدة القصوى التي تتحقق للطالب من زيارة مثل هذه التجمعات الثقافية الأدبية التراثية؛ إلا أن هذه المدارس نفسها، تأخذ أبناءها في رحلة استطلاعيه إلى مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يقضون فيه يومهم الدراسي بين متعة الاستكشاف والشغف المعرفي، وأنا وإن كنت لا أملك الاعتراض على المكان تحديدا، إلا أن هذه الرحلة قادتني إلى جملة من التساؤلات والفرضيات، ما هو الأمر الذي اكتشفه الطلاب في مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل استمعوا إلى شرح مفصل عن طريقة التعرف على وجود المنكرات والوصول إليها والقبض على أصحابها؟ هل شاهدوا عروضا مرئية تستعرض طريقة القبض على بعض المختلين خلوات غير شرعية أوالمتعاطين أو المبتزين؟ أم هل وزعت عليهم منشورات عن طرائق الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف؟

من وجهة نظري؛ أن المعلومات التي حصلوا عليها من مركز الهيئة معلومات تهم كل الطلاب وليس طلاب مدارس التحفيظ فقط، لذلك، كان ينبغي توزيع هذه المطبوعات على كل الطلاب والمدارس أو اعتماد تنظيم رحلات مماثلة، أو تتم استضافة أحد المنتسبين للهيئة لإلقاء محاضرة توعوية في المدارس، لكننا بأي حال من الأحوال ومهما كانت الحصيلة المعرفية التي حصل عليها الطلاب في هذه الزيارة إلى مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يمكن أن نقارنها بنظيرتها المتوقع حصولهم عليها من معرض الكتاب الدولي مثلا أو مهرجان الجنادرية ثراء وعمقا.

لماذا يحاولون أن يخلقوا من طلاب مدارس تحفيظ القرآن الكريم أنموذجا مختلفا مغايرا للمجتمع الذي يعيشون فيه، فما يقبله غيرهم لا يصلح لهم، فيكونون غالبا ممن يسفهون فكر المجتمع ويحكمون بخطأ توجهاته وينقمون عليه!