في يناير الماضي وقبيل تفشي أزمة كورونا حظيت بلقاء أحد القادة التنفيذيين لكبرى شركات النفط الأمريكية، ودار بيننا حديث ماتع حول تحديات صناعة النفط والغاز كون شركته الأمريكية تستثمر فيها. وفي الحقيقة أن حديثه كان منطقياً ومتعقلاً بعيداً عن كل التقارير الصحفية العالمية التي كنت أقرؤها آنذاك، والتي كانت تتحدث بأن العالم سيتخلى عن النفط والغاز بحلول العام 2045، بسبب الحاجة الملحّة للوصول لوقف انبعاثات غازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون CO2، والهدف المعلن بالطبع منع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بدرجتين مئويتين.

دعونا في البداية لا نهتم كثيراً للإجابة عن لماذا يتحدث بعض الإعلام الغربي عن أن النفط والغاز سيصبحان من الماضي في العام 2045، والذي هو في رأيي حديث إعلامي لخدمة أجندات خفية. بل يهمنا أن نفهم بشكل منطقي ومتعقّل ما هو مستقبل النمو البشري على كوكب الأرض، ومستقبل الطاقة بشكل عام والطاقة الأحفورية بشكل خاص، ونسبة مساهمتها المتوقعة في هذا النمو البشري.

مما لا شك فيه أن الدول التي لا تمتلك موارد طاقة أحفورية سيهمها كثيراً أن يتخلى العالم عن الطاقة الأحفورية، وأن يعتمد كلياً على الطاقة المتجددة ما سوف يمنحها كدول فرصة المنافسة في سوق الطاقة، وكسب حصة اقتصادية كبيرة لتعزيز مواردها ونموها، في ظل توقعات اقتصادية بانخفاض معدلات النواتج المحلية للدول الكبرى غير النفطية.


هناك أربعة عوامل رئيسية ستشّكل مستقبل الطاقة وهي: نمو التعداد البشري الذي سيبلغ 9.5 مليارات نسمة مقارنة بما هو اليوم عليه 7.7 مليارات نسمة أي بزيادة %23 لمجموع سكان كوكب الأرض، أيضاً الانخفاض المتوقع في إنتاج الطاقة من الفحم الحجري، الذي يمثل حالياً %25 من مصادر الطاقة عالمياً، وهو المسؤول عن %35 من معدلات ثاني أكسيد الكربون في الهواء CO2، والانخفاض المتوقع في قدرة إنتاج النفط الصخري بدءًا من 2030م، وأخيراً الطفرة الصينية والهندية الحضارية والتقنية التي ستمثّل ما نسبته %40 من مجموع الناتج المحلي العالمي في 2045م، مقابل تراجع إجمالي الناتج المحلي الأوروبي بمقدار %28، في حين سيتضاعف مجموع إجمالي الناتج المحلي العالمي مما هو عليه الآن.

وبأخذ هذه العوامل في الاعتبار، نجد أن كثيراً من شركات النفط العالمية بدأت بالفعل ضخ المليارات لتعظيم كفاءة الإنتاج الأحفوري والاستثمار في مجالي النفط والغاز، وذلك للوفاء بالطلب العالمي الذي هو في رأيي سيزداد بعد تجاوز جائحة كورونا منتصف صيف 2021م بمشيئة الله.

الطلب العالمي لن يكون خاضعاً فقط لاتفاقية المناخ العالمي، بل أيضاً للطلب الهندي والصيني المتسارع على الوقود الأحفوري، وأيضاً خيارات الزبائن التي ترتبط مباشرة بالقيمة مقابل كفاءة الاستخدام.

لذلك كان تصريح وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في افتتاح منتدى الهند للطاقة مباشراً وصريحاً، عندما ذكر أن السعودية هي أكبر مصدّر للنفط، وأن خطة النهضة الهندية ستحتاج للنفط السعودي لتحقيق أهدافها، ولهذا فالسعودية والهند متكاملتان في جانب الطاقة. والحال أيضاً ينسحب على جمهورية الصين الصديقة.

إن الاستقراء المتعقل يؤكد أن المستقبل سيكون لخليط الطاقة وليس لنوع على حساب آخر. فالطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بحوالي %25، والطلب على النفط سيزداد في العام 2045م ليصل إلى 109 ملايين برميل يومياً، مقارنة بكمية الإنتاج في 2019، والتي بلغت 83.6 مليون برميل يومياً، وسوف يكون معظم استخداماته في قطاع النقل الثقيل والنقل البحري والجوي، مقابل انخفاض استخدامه في مجال توليد الكهرباء التي ستحل محلها الطاقات المتجددة والنظيفة.

تدرك السعودية ودول أوبك أن التنمية المستدامة للطاقة يجب أن تكون على أساس الاقتصاد منخفض الانبعاث الكربوني (الاقتصاد الدائري للكربون) وليس الاقتصاد المنخفض الكربون، وهو الاقتصاد الذي تحمله السعودية على عاتقها لخير البشرية جمعاء.

فلا يمكن للعالم تعويض الحاجة للوقود الأحفوري من النفط والغاز ومنتجاتهما مقابل بدائل الطاقة المتجددة فالقضية ليست إحلالا بل تكاملا، ولهذا بدأت السعودية بالفعل صناعة خليط الطاقة الخاص بها، حيث ستنتج الطاقة المتجددة والنظيفة للمملكة نصف احتياجها من الطاقة الكهربائية بحلول 2030، في أضخم مشاريع استثمارية في الطاقة المتجددة في التاريخ.