فوجئنا قبل فترة بمعارضة أحدهم لنظام مكافحة التحرش الذي كان يُدرس في مجلس الشورى بحجة أنه تشريع للاختلاط والعلاقات المحرمة!

ومع جل احترامي لشخصه الكريم ومكانته المرموقة إلا أنني أنزعج كثيرا من هذه الطريقة الحدّيّة في التفكير وقصر النظر! ولو تُرك الأمر لمثل هذا الفكر لما أنجزنا شيئا يُذكر في بناء الدولة الحديثة!

ليس هذا موضوع حديثي؛ حيث أردتُ أن أتحدث عن بعض النقاط المهمة حول النظام، وكيف يجب أن يكون.

للأسف أن النظام لم يُقرّ من المجلس بسبب أن نظاما آخر (نظام الحماية من الإيذاء) له أكثر من ثلاث سنوات تحت الدراسة، وسيكون متضمنا لمواد نظام التحرش - حسب إفادة أحد أعضاء المجلس-، ونتمنى أن يخرج قريبا. كما أتمنى أن يُلاحظ فيه بعض النقاط التي سأناقشها، وأعتقد أن السادة أعضاء المجلس مدركون تماما، ولكن كتبتها لمجرد الإثراء والمناقشة.

فالنظام يجب أن يُعرّف التحرشَ المجرَّمَ أولاً، وألا يترك الأمر مفتوحا، بل يُصاغ بطريقة تحدد التحرش بشكل يُخرج كل تصرف طبيعي أو حتى غير مفسَّر بشكل واضح.

كما يجب التفريق بين التصرفِ الذي قد يكون قصدُ التحرش أو الاعتداءِ فيه واضحاً والتصرفِ الذي يكون فيه قصدُ التحرش أو الاعتداءِ غير واضح. وهذا ينعكس على مستوى العقوبات التي يجب أن يحددها النظام، ويصنفها حسب مستوى الاعتداء أو الإساءة، وإلا فسيصبح النظام بلا جدوى.

ولكون المجلس سيدرجه في نظام الحماية من الإيذاء؛ فإنه يجب أن يعالج النظام (الحماية من الإيذاء) كل أشكال الإيذاء اللفظي والفعلي حتى لو لم تكن جنسية، مثل الإهانة أو التشهير أو المضايقة أو التهديد سواء كان جنسيا أو لا.

كما أنه يجب بهذا النظام أن تُوقف فوضى الاعتداء والاتهام على الناس دون دليل واضح! وهي بلا شك من الإساءات التي يجب تجريمها أيضا بالنظام.

فقد يحصل -وقد حصل- أن يُتهم شخص بالمعاكسة مثلا أو حتى تتم مساءلته لمجرد وجوده في السوق مثلا! أو لأنه لم يرُق لأحدهم ربما! وهذه بلا شك اعتداء وإهانة لا مبرر لها لا في الشرع ولا النظام.

كما أن مساءلة الناس وامتحانهم عن حقيقة العلاقة بينهم وهل توجد قرابة أو لا والدخول في مثل هذه التفاصيل لمجرد أن كائنا من كان اشتبه فيهم سؤال غير شرعي، ويجب أن يُجرَّم أيضا.

وبالإمكان إذا بدا تساهلٌ في اللباس مثلا؛ فالواجب إنكار ذلك التساهل دون الدخول في خصوصيات الناس وامتحانهم فيما لم يأمر الله به! طالما لم يظهر دليل ظاهر على المنكر، وأنهم ليسوا محارم مثلا! وهذا التصرف بنظري من التنطّع الذي بَدَأهُ الخوارج عندما كانوا يمتحنون الناس في عقيدتهم.

أعود للنظام وأقول؛ إنه يجب الاستفادة أيضا من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، حيث بالإمكان الرجوع للعديد من الأنظمة التي تعالج هذه القضية. ففي بريطانيا مثلا؛ نجد أن التحرش يغطّيه العديد من الأنظمة، بالإضافة إلى نظام الحماية من التحرش (Protection from Harassment Act 1997)، والذي اعتنى بشكل خاص بالتحرش في مكان العمل، ووضح مسؤولية كل طرف تجاه ذلك، وقد يجعل صاحبَ العمل (المدير أو الرئيس) مسؤولا بشكل مباشر أو غير مباشر في الاعتداء أو التحرش تحت غطاء هذا النظام. كما وصف التحرش بأنه قد يكون عمليا أو لفظيا أو غير لفظي، وعالج كل واحدة منها. ووضع عقوبات قد تصل إلى سجن خمس سنوات.

كما أن قانون النظام العام (Public Order Act 1986) قد جرّم تلك التصرفات التي يكون فيها اعتداء (أي اعتداء جنسيا أو غيره) على آخر سواء بالتهديد أو الإساءة أو الإهانة، وجعلها موجبة للإيقاف مباشرة ودون إنذار في بعض الحالات. وهو يفرّق في العقوبة بين التحرش أو الاعتداء الذي يكون في مكان عام أو علنيا أو فيه تشهير، وبين ما يكون بشكل خاص غير معلن. وهناك بعض الحالات التي يغطيها نظام العدالة الجنائية والنظام العام (Criminal Justice and Public Order Act 1994).

وبالإضافة لذلك فإن ضحية التحرش قد يكون مستحقا للمساعدة القانونية المجانية من الدولة، بناء على المادة 40 من نظام إدارة العدالة (Administration of Justice Act 1985) ونظام المساعدة القانونية (Legal Aid Act)، على الرغم من غلاء الاستشارات القانونية والمحاماة في بريطانيا، حيث قد تكلف الدولة كثيرا، إلا أنه في حال كسب الضحية للقضية، فإنه قد يطالب المتهم بدفع جميع نفقات القضية بالإضافة إلى ما قد يصدر بحقه من عقوبات أو تعويضات.

الخلاصة؛ أن وضعَ نظام يجرم التحرش ويحدد سلسلة من العقوبات الواضحة أمرٌ ضروري، وتستدعيه الحاجة الماسة، خصوصا مع التوسع في توظيف المرأة، حيث يشتكي العديد من النساء من الوضع الحالي، حيث لا تنظيم للمكافحة ولا لأسلوبها وطريقتها. أرجو أن يرى النظامُ النورَ قريبا.