عاش الإعلام التقليدي في أوج نشاطه على أهمية السبق الصحفي، الذي يتميز في حقيقة الأمر عن غيره من فنون الإعلام بكونه خبرا مهما تنفرد به الصحيفة أو المؤسسة الإعلامية، فيعطيها تميزا عن غيرها. يختلف اليوم الإعلام الجديد أو الإعلام البديل أو مواقع التواصل الاجتماعي عن الإعلام التقليدي من عدة نواح، أبرزها الأدوات والاهتمامات والتوجه الحر غير المسؤول، مع وسائل الدعم والقوائم التي تثبت قوة ونجاح الوسيلة، فنجد الإعلام الجديد «الحر» بمختلف أنواعه، لم يعد يهتم بالخبر والسبق، وأصبح مفهوم السبق ينعطف على أمور أخرى هي أبعد ما تكون عن مفهوم السبق الصحفي في الإعلام التقليدي. وكما تتنوع أدوات الإعلام الجديد، تنوعت مواضيعه واهتماماته ومحتوى تلك الأدوات، حتى أصبحت تهتم بأدق تفاصيل حياة الأشخاص، بل وصل بها الأمر إلى التناسخ والتقليد. ومع كثرة الأدوات وحساباتها بين شخصية ورسمية، أصبح السبق فيها كيفية الاختلاف، وشعارهم الغاية تبرر الوسيلة، فيلجأ صاحب الحساب الإعلامي سواءً أكان شخصيا أو مؤسسيا، للتميز عن الحسابات الأخرى التي تتشابه معه في المحتوى، أو حتى المكان والحضور، إلى الإثارة ولفت الانتباه، مهما كان الثمن، حتى لو كانت المبادئ والأخلاق. وبما أن الوضع واهتمامات الزبائن والعملاء وشرائح المجتمع اختلفت، فقد اختلفت معها الطرق المتبعة من الجهات المعلنة، سواءً أكانت حكومية أو قطاعا خاصا، بإبراز المواد والإعلان عنها عن طريق البحث عن المشاهير في الإعلام الجديد، بغض النظر عن المحتوى وسبب شهرته، ولم تبحث عن الحسابات الهادفة بل ركزت بالدرجة الأولى على عدد المشاهدات، وقوة الحساب وشهرته في المنازل، وبين المقاهي والاستراحات، والإعلان عبرها بأرقام فلكية. وعندما كان المقابل المادي يفوق بكثير الجهد المبذول للوصول للسبق الصحفي بمفهوم الإعلام الجديد، وذلك عن طريق لفت الانتباه ورفع عدد المشاهدات، جاء البحث عن كل جديد ومثير. رأينا كم وكم من عجائب وغرائب مفهوم السبق الصحفي عند هؤلاء، إحداهن تشتم القبيلة الفلانية لصراعات خاصة معها وبعض أفرادها، والأخرى تنشر خيانة زوجها والانفصال ثم العودة والارتباط، كمسلسل درامي بنهاية سعيدة مرسومة، والزوج من جهة أخرى يساعد في هذه الحبكة، وينشر عبر حسابه تكملة التفاصيل التي لم تنشر، وأحد الحسابات لسيدة تصور بغضب في أحد المولات، بأنه تم القبض عليها بحجة أنها لم تلبس عباءة، بالرغم من إلغاء هذا النظام، وتطالب بالوقوف معها ونشر قضيتها. هذه مجرد أمثلة على مفهوم السبق في الإعلام الجديد، وهو البحث عن أسرع تصرف للوصول إلى الـ Trend مهما كان خطأ هذا الفعل من صوابه، فائدته من عدمها.
الجميل في الموضوع أنه بعد إثارة أحدهم ووصوله الترند، يتفق الغالبية على إنها محاولة إثارة، واستقطاب للشركات والجهات المعلنة.
بالتأكيد لا أحد ينكر أن هناك حسابات في مختلف أدوات الإعلام الجديد هادفة، مؤثرة، هدفها الرقي بالمتابع، وهي غالباً تمشي على مسار واحد منذ ظهورها قبل سنوات طويلة، دون البحث عن لفت الانتباه والإثارة.