قال الله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت..).

لا شك أن الفقد أمرٌ صعبٌ على الإنسان، لا سيما إذا كان فقدًا لشخص عزيز، فالعواطف جزء من تكوين الإنسان وذاته وكيانه بطريقة تصعب معها السيطرة الكاملة على المشاعر والانفعالات، أو الحزن والألم عند فقد شخص عزيز، ويعقب حوادث الفقد في بعض الحالات فقدان للتوازن، واضطراب في النوم، وفقد الإحساس بالواقع، واكتئاب، وغضب، وأفعال حادة غير متّزنة، تقول الطبيبة النفسية Sue Morris "إن المشكلة في حزن الفقد هو التباين بين ما تتوقع حدوثه في هذه الحياة، وبين ما يحدث فعلًا".

ولذلك فإن التعامل والتعاطي مع حالات الحزن وألم الفقد ليست سهلة، وتحتاج إلى عدد من العناصر والعوامل التي تساعد الإنسان على تجاوز المحنة والحزن والألم بأسرع وقت وأفضل طريقة ممكنة.


وبداية لا بد من التأكيد على أن الحزن شعور طبيعي في الإنسان، لا ينبغي لنا كتمه أو إدانته واستنكاره، لأن الكتم يخالف الطبيعة البشرية من جهة، ويؤدي إلى آثار خطيرة ومدمرة على النفس البشرية من ناحية أخرى، وبالتالي فإن من الخطأ الفادح ما يقوم به البعض من كتم الحزن والتعبير عنه، أو كتم البكاء عند فقد حبيب بحجة التماسك والصبر، لأن كتمان الحزن واختزانه داخل النفس هو بالضبط كاختزان السموم التي قد تفتك بصاحبها، أو تسبب له أضرارا وأخطارا كبيرة داخلية، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان لا يكتم حزنه وعواطفه، بل يبديها ولا يخجل منها، فها هو يبكي ويحزن على وفاة زيد بن حارثة فيما رواه ابن حجر في الإصابة، وقال في ذلك "هذا شوق الحبيب إلى حبيبه" (الإصابة 4/316)، كما بكى وحزن على وفاة ابنه إبراهيم، وقال: "إن العين لتدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون" (البخاري حديث 1303) وغيرها من المواقف، ليعلمنا أن العواطف البشرية، والضعف البشري والحزن والبكاء هي ليست منقصة ولا عيبا، ولكن الضابط في ذلك هو الاعتدال وأن (لا نقول إلا ما يُرضي ربنا).

ولو نظرنا للجانب النفسي فإن الفقد له آثاره النفسية التي لا يمكن إغفالها، والتي ينبغي التوقف معها ومع كيفية التعامل معها وحلها، ومن ذلك ما يعقب حوادث الفقد في بعض الأحيان من فقدان للتوازن، واضطراب في النوم، واكتئاب، وغضب، وأفعال حادة غير متزنة، خاصة في المرحلة الأولى من مرحلة الفقد وهي (مرحلة الإنكار) التي يكون الإنسان فيها في حالة عدم تصديق لما حصل، إلى أن يستعيد توازنه تدريجيا، ويبدأ باستيعاب الأمر، مع وجود نسبة قليلة قد لا تستطيع العودة لهذا التوازن، ويسيطر عليها حزن الفقد، والأعراض المصاحبة له لوقت طويل، أو طيلة العمر.

وهذه بعض الوقفات والنصائح التي يمكن أن تسهم في حسن التعامل مع حزن الفقد، وتعين على تجاوزه بإذن الله تعالى:

1. ينبغي للإنسان بداية أن يتسلح بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبالقضاء والقدر، لأن هذا أكبر معين له على تحمل حزن الفقد، فحين يعلم الإنسان أن الموت والفراق هما سنة الحياة، وهو قدر الله تبارك وتعالى وقضاؤه الذي لا مهرب منه، فإن هذا يعينه على تحمل حزن الفقد والتخفيف منه، ومن ثم تجاوزه.

2. التعبير عن الحزن نفسه كما أسلفنا هو من الوسائل المعينة على تجاوز المرحلة، بعكس الكتمان الذي تكون له آثاره النفسية والداخلية الوخيمة على الإنسان.

3. الذكاء العاطفي يعين الإنسان ويساعده في التعامل مع حزن الفقد، ومع كافة التحديات النفسية والعاطفية التي يمر بها في حياته، وهو أمر مهم لا بد منه، والمقصود بالذكاء العاطفي هو قدرة الإنسان على تقييم وتحديد عواطفه الذاتية وحسن استعمالها والسيطرة عليها، ولا بد أن يدرك الإنسان أن عليه أن يكون قائدا لعواطفه ومشاعره بقدر استطاعته، لا أن يجعلها هي من تقوده وتسيّره، لأنه في هذه الحالة سيصبح أسيرا وتابعا لها، وتصبح هي المتحكمة في حياته واتزانه النفسي.

4. الاستشارة والاستعانة بأصدقائنا الذين مروا بتجارب مشابهة، وذلك للاستفادة من خبرتهم وتجربتهم، وكيف تعاملوا وتعاطوا معها من جهة، وكذلك بهدف التخفيف عن النفس، فحين يتذكر الإنسان أنه ليس وحده في هذا المصاب، وأن هناك آخرين معه مروا بنفس الموقف أو مواقف أشد منه، فإن ذلك يسهم في التخفيف عنه وتسليته في مصابه وحزنه.

5. ملء وقت الفراغ بأشياء مفيدة نافعة، وذلك لأن الحزن يتجدد ويزيد في أوقات الفراغ التي يخلو الإنسان فيها إلى نفسه، فيستعيد حزنه وألمه وذكرياته، وبالتالي فحين يملأ الإنسان وقت فراغه قدر المستطاع بأشياء مفيدة، ويقلل من الأوقات التي يخلو فيها بنفسه ويتذكر حزنه ومصابه، خاصة في الأيام الأولى للفقد فإن ذلك كفيل بأن يساعد الإنسان على التقليل من حزن الفقد وألمه.

وختاما أسأله سبحانه وتعالى أن يرحم من فارقت أرواحهم أجسادهم الطاهرة من المسلمين الموحدين، وأن يكون معينا لكل من عانى من حزن الفقد وألمه، وأن يجمّلنا بالصبر، ويقوي إيماننا به، فهو خير سلاح لنا في مواجهة حزن الفقد وألمه.

إنه سميع مجيب.