يعتبر الوصول إلى «النمو الصفري للكربون»، أو الاقتصاد الدائري منخفض الكربون، أحد مستهدفات البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، وهو مفهوم يقوم على أربعة محاور رئيسة (4R) وهي: السعي لخفض الانبعاثات أولاً، التقاط الكربون المنبعث ثانياً، إعادة تدوير الكربون المنبعث واستخدامه في مجالات الإنتاج الصناعي، ورفع كفاءة الإنتاج الصناعي واستخراج النفط والغاز، وأخيراً التخلص من الكربون بواسطة الزراعة والتشجير وزيادة المسطحات الخضراء، وهو ما تنضوي تحته هذه المبادرة من وزارة البيئة والمياه والزراعة.
المنظومة السعودية في برامج الرؤية تعمل بطريقة متناغمة، أشبه ما تكون بسيمفونية من سيمفونيات بيتهوفن الشهيرة، ولا غرو في ذلك، فإن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يدير بدقة تفوق دقة الساعة السويسرية تنفيذ برامج الرؤية، وتسابق الزمن نحو غدٍ مشرق لكل السعوديين بما فيها قطاع الطاقة.
الهدف السعودي المعلن هو أن يصبح قطاع الطاقة بحلول 2030 القطاع الأكثر كفاءة وملاءمة في العالم، وأن تكون السعودية المصدر الموثوق الأكثر أماناً في مجال الطاقة الشمسية والمتجددة، وهذا بلا شك يحتاج إلى قيادة عالمية، وعمل وجهد ومبادرات متتالية، وهو ما يجري تنفيذه حالياً في برامج الرؤية.
كان بإمكان السعودية في ظل تعارض مصالح بعض الدول الكبرى مع اتفاقية المناخ، أن تتحول إلى الاستثمار التجاري البحت في سوق الكربون دون النظر لأي تبعات على الإنسان والبيئة والعالم، إلا أنها اختارت مكانها المعهود لحماية البشرية، وأداء دورها بمسؤولية في كل القضايا التي تهم الإنسان، على الرغم من أن التبادلات التجارية المغرية لسوق الكربون، والتي تجاوزت 100 مليون دولار في 2019 وهو ما قد يكون حافزاً لبعض الدول النامية للتخلي عن مسؤولياتها الإنسانية.
دور المملكة في تشكيل خارطة الطاقة العالمية لا ينحصر فقط على ما نراه من أداء دورها بمسئولية في خفض انبعاثات الكربون، بل في قيادة الابتكار والتقنية وتحسين العمليات الصناعية من خلال التقاط الكربون وتدويره، وإنتاج مواد غير معدنية لا تستهلك الكربون ولا تبعثه، وهذا يعكس لكل المحايدين في العالم العمل النبيل الذي تقدمه السعودية للبشرية جمعاء. هذا - طبعاً- جنباً إلى جنب مع الإنفاق الكبير في مشروعات الطاقة النظيفة، والتي أطلقت السعودية ثلاث مراحل منها، تتضمن 13 مشروعاً، منها مشروع دومة الجندل لتوليد الكهرباء من الرياح بمتوسط إنتاج سنوي 1.5 تيرا واط بعد تشغيله، والذي يعني طاقة نظيفة وذراعا اقتصادية إستراتيجية، وفرصا وظيفية، وسوقا نشطة وآمنة ونظيفة، والأهم من هذا صديقة للإنسان.
وللوصول للهدف السعودي المعلن في رفع كفاءة قطاع الطاقة، تميّزت السعودية عن غيرها باتخاذ تدابير متكاملة في مجالات:
خفض الانبعاثات الكربونية، من خلال إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة والذي نجح حتى الآن في خفض مجموع استهلاك الطاقة بحوالي 10%. وأيضاً تأسيس شركة سعودية تملكها أرامكو، لمنع دخان احتراق شعلات حرق الغاز في المصانع، بتقنية ابتكرها مهندسون سعوديون ستخدم القطاع الصناعي السعودي والعالم.
التقاط الكربون بأكثر من نصف مليون طن سنوياً من غاز CO2 بتقنية سعودية.
إعادة تدوير الكربون في إنتاج الأسمدة والميثانول من خلال شركة سابك.
خفض كلفة الإنتاج والتكرير، باستخدام 800 ألف طن من CO2 في استخراج النفط في شركة أرامكو السعودية.
الابتكار في المواد اللامعدنية، بمبادرات كبيرة من الجامعات السعودية وأيضاً أرامكو في وادي الظهران للتقنية، وتأسيس مركز ابتكار المواد اللامعدنية NIC في بريطانيا.
التخلص من الكربون من خلال رفع كفاءة البيئة، وزيادة رقعة المسطحات الخضراء والشعب المرجانية، من خلال عشرات المشاريع الكبرى ومئات المبادرات البيئية، واستحداث القوات الخاصة للأمن البيئي.
وبالرغم من تأثر كل دول العالم بتبعات جائحة كورونا، إلا أن روح التفاؤل التي تسود حالياً إزاء التقدم المتسارع لأعمال الكثير من المبادرات، وبرامج الرؤية لخلق اقتصاد دائري منخفص الكربون تقول بلسان الحال «دربك خضر» يا كربوننا.