بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية والذي يوافق العاشر من أكتوبر، فإنني أسأل الله عز وجل أن يبارك في جهود كل العاملين في منظومة علم النفس.. فكم أشعلوا في الأرواح الأمل، وخلصوا القلوب من الألم.

ورغم أنّ علم النفس من أكثر العلوم التي تعرضت لشيء من السخرية والتندر في أزمنةٍ مضت.. إلا أنه في الوقت الحاضر صار محل شغف عند كثير من الناس..

بدليل أنّ معظمهم عندما يلتقي مصادفة بأخصائي أو طبيب نفسي فإنه يبادر بسؤاله عن هذا العلم وما يمكن أن يقدمه للبشر، ثم يندمج بحديثه حتى تجده يتكلم لا شعورياً عن ذاته وهمومه وتفاصيل حياته النفسية.


وبدليل أنّ المحاضرات والدورات المتعلقة بعلم النفس والتي تقدمها الجهات الحكومية والخاصة - مشكورة - تغص بالمهتمين، ناهيكم عن العيادات النفسية التي تكتظ بالمراجعين ممن كسر حاجز الخجل وقرر أن يتخلص من معاناته.

لكنّ المشكلة أنّ الأخصائي أحيانا لا يدرك قيمة تخصصه، أو يفتقد للرابط بينه وبين من يتولى حالته.

وفيما يلي بعض همساتِ مودة واحترام من وحي العيادات النفسية (مما قرأت وسمعت وشاهدت) مع التأكيد على أن كل ما يُذكر من سلبيات هي حالات فردية ونادرة لكن من باب التذكير:

1) لا تعتبر من جاء إليك "مريضاً".. إنه شيء محبط ويكسر القلب أن يسمى "بالمريض" ولو على الورق.. اعتبره "مراجعاً" أو "عميلاً" أو "حالةً" ونحو ذلك.

2) كن مستمعاً جيداً ولا تنظر إلى ساعتك أثناء الجلسة.

3) لا تُنظّر على المريض.. هو واعٍ وربما أكثر منك وقد يفوقك ثقافةً وحكمة وإلا ما لجأ إليك.

4) إذا كنت "نفسية".. اترك علم النفس فوراً، ودعه لأصحاب النفوس المتواضعة اللينة.

5) بدلاً من مطالبة "المريض" بالتفكير خارج الصندوق، فلتفعل أنت ذلك وتحاول التحرر من الطرق التقليدية بما يناسب ظروفه وبيئته ومستجداته الحالية.

6) لا تعطه نصائح دينية.. هو ليس في حاجة إليها.

7) تمارين التنفس غالبا أنه حفظها.. لا تكررها عليه كثيرا.

8) لا تقترح عليه قراءة الكتب.. سيعتبرها هروباً منك.

9) لا تتحدث عن عدد الجلسات اللازمة إلا بعد نهاية الجلسة الأولى (يمكن ما فيه إلا العافية).

10) لا تعتمد في التشخيص على أجوبة "المريض" وحدها.. هناك مقاييس إضافية ومهمة وأكثر دقة.

11) لا تستغل تعلق "المريض" بك وثقته فيك لمصالحك الخاصة (الله بيحرقك بالنار).

12) ابتسم دائما.. أشعر "المريض" أنّ الدنيا بخير.. "تكشيرتك" اتركها خارجاً.

13) ارفق بمريضك" ولا ترهقه بالتكاليف المادية الزائدة عن المعقول.. تذكّر أنّ كثيرا من مشاكله النفسية هي بسبب قلة المال.

14) لا تستجوبه كأنك محقق، ولا تصدر الأحكام المسبقة، بل حاوره بحب واهتمام.

15) لا تنشر سره في المجالس.. أحيانا إخفاء الاسم لوحده لا يكفي، لأنّ إيراد بعض المواقف قد تدل على صاحبها مباشرة وإن لم يُذكر الاسم.

16) لا تجعله يشعر أنه مجرد عدد.. عامله وكأنه المراجع الوحيد لديك.

17) حاول ألا تشتته بين العلوم المرتبطة أو المتفرعة عن علم النفس كعلم الطاقة والتنمية الذاتية والبرمجة اللغوية العصبية ونحوها.

18) لا تستعجل في التشخيص.. التشخيص الصحيح نصف العلاج إن لم يكن كله، والخطأ - لا سمح الله - قد يؤدي إلى نتيجة عكسية.

19) لا تنتقص أمامه مَن زارهم قبلك ولم يستفد منهم، وكذلك إن كانت حالته تستدعي دواءً فمن الضروري أن تشرح له بصبرٍ وتفصيل كل ما يتعلق بخطة وآلية علاجه.

20) تذكر أنك لا تتعامل مع فروة رأس أو ضرسٍ منخور أو عضو في جسد .. أنت تتعامل مع الروح.. وتدخل في أعماق الفكر والعقل والوجدان.. مما يعني أن الأمر أكثر حساسية وتدارك غير الصواب صعبٌ.

وأخيراً عزيزي الأخصائي:

ما بالك إن جاءتك دعواتٍ صادقاتٍ من أحد مراجعيك؟

وما حالك إن أخبرك أحدهم أنّ حياته تغيرت للأحسن بفضل الله ثم بسببك؟

فإنّ روحاً واحدة تنقذها من مغبة الاكتئاب أو القلق، وإنّ إنساناً واحداً تخرجه من غياهب الحزن.. ستجد أثره ولو بعد حين.