المشكلة أن كثير من الأطباء ملتزم بدفعات سنوية كإيجار لمسكنه الذي ربطه بنزول هذا البدل، والآن لا شك بأن شريحة كبيرة من الأطباء يقعون في حرج مع أرباب المنشآت التي يسكنونها؛ فإما أن يمارس مع رب المنشأة سياسة «تكفى امهلنا شوية» وهي لا تجدي كثيرا للأمانة؛ أو يضطر إلى «الاقتراض» ليستطيع البقاء في منزله المستأجر بعيدا عن «رنات» الجرس كل صباح مع صياح «وين الإجار!».. فهل يليق بطبيب أن ينزل هذه المنزلة يا وزارة الصحة؟!
وبعيدا عن المنازل - فالأطباء عند البعض من العامة «طوفة هبيطة» لأنهم في نظرهم تجار ورواتبهم كثيرة وما يستاهلون...الخ- بعيدا عن هذا الهراء كله؛ أتساءل ويتساءل معي زميل في وحدة العناية المركزة الضاغطة على دماغه، وزميل آخر يتساءل من وسط ضجة الطوارئ، وآخر من قلب عيادات «تطمن» وورثة خامس .. كلنا نتساءل: كيف لنا أن نستطيع تقديم إنتاجية فضلا عن إبداع وعقولنا تحوم مع رنات جرس صاحب المنزل مطالبا بـ«حقه» ولا يلام طبعا.
هل سيكون تفكيري هنا تحت طائلة العمل المنهك الذي يحتاج تواجدي العقلي قبل الجسدي أم سأقسمه بين هذا وذاك؟!
الحقيقة أن بدل سكن الأطباء هذا عجيب منذ أمد؛ ذلك أن الدولة حفظها الله أقرته وكفلته حقا لكل طبيب -علما بأن الأطباء يشكلون حوالي %5 تقريبا من المجتمع- فالدولة أعطت وكفلت الحق وكفت ووفت بكل شفافية؛ لكن الخلل يكمن في الجهة التنفيذية بوزارة الصحة ؛ إذ لا يعلم الطبيب متى سيتم صرف بدله السنوي؛ مرة يصرف في ذي الحجة ومرة في محرم، وها نحن في هذه السنة بلغنا «صفر» ولم يصرف بعد.
الحكومة صرفت مئات الملايين لوزارة الصحة خصوصا هذا العام، فلا يلحقها شك أو ريب؛ إنما الإشكال في التنفيذ ووضع البنود وترتيب الأولويات..
فهل من المعجز أن تجعل الوزارة له وقتا ثابتا معلوما لصرفه ليتسنى للمستفيد ترتيب أموره بناء على وقت صرفه؛ أم أننا سنبقى ننتظر «من شهر في شهر»؟!
خلاصة القول: لكي ينجز الطبيب يجب أن تكون أموره مستقرة وفي مقدمتها الأمور المادية؛ ومن أهمها المسكن؛ وعندما يعلق بدل سكن الطبيب بوقت لا يعلم متى يصرف فيه فإنه سيكون كالماشي الذي يسير في غبش الظلام، ومن شأن ذلك التأثير في إنتاجيته وعطائه، والحل أن يتم صرف البدل بشكل منتظم سنويا ليتحقق منه المرجو والمراد.. وإلا فلا تستغربوا أن يصرخ طبيب في وسط الطوارئ: امهلني يابو عوضة شهر بس تكفى!!