عنوان مجموعة الشاعر العراقي عدنان الصائغ يتكلم ببلاغة.. إنه حرف العطف "و" الذي يأتي أحيانا معبرا عن الحال.. وقد خطّ بالأحمر على الغلاف وحوله الحرف نفسه بلغات عديدة.

كأن عدنان الصائغ أراد إظهار تلك العلاقات الأزلية التي تجعل الأشياء والأمور كلها مترابطة متداخلة فلا نهايات ولا توقف حادا. لعل هذا يصح عن الماضي والحاضر والآتي وعن هنا وهناك وكل جهة. أم لعل الشاعر من خلال أحزانه العراقية لم يجد ما يفصل الأمس عن اليوم.. وعن المقبل الذي لا يبدو شديد الاختلاف حتى الان.

إنه استئناف للآلام وللأحزان والعذابات والغربة والتشرد.. واستئناف للأحلام تلك التي لا شفاء منها. يكتب عدنان الصائغ بقدرة على تطويع الوزن وحتى القافية المتعددين عنده على طريقة شعراء التفعيلة.

هذا التطويع يجعل الانتقال الموسيقي بين وزن وآخر سهلا منسابا لا ينوء بما تحمل الكلمات من معان أو تحت وطأة الامتدادات المتباينة طولا وقصرا. إنه حاضر "لدمج" موسيقي ناجح خاصة في نقل حوار على رغم صعوبة فيه.

اشتملت المجموعة على 74 قصيدة متفاوتة الطول وكثير منها إلى القصر أقرب. كتبت القصائد في بلدان ومناطق مختلفة من العالم وهي تحفل بالتشرد حتى تلك التي كتبت في العراق منها.

عدنان الصائغ شاعر فياض.. فكأنه يكتب شعرا كما يتنفس.. باستمرار وحرارة حياة. العراق هو البدء اذن فالقصيدة الأولى تحمل هذا الاسم.

القصيدة تختصر صورة الشاعر عن العراق وتحدده وتتبع منهج سرد صفاته بتقسيم آلي. إنها أقرب إلى النثر منه إلى التوهج الشعري، لكنها معبأة ومكثفة من حيث المحتوى. كتب بتعداد قام خلاله بإخفاء الواو ترك الكلمات متتبعة واحدة تنقلنا إلى الأخرى. قال "عندما الأرض كوّرها الرب بين يديه /ووزع فيها :/اللغات /النبات /الطغاة /الغزاة /الحروب /الطيوب /الخطوط /الحظوظ /اللقاء ../والفراق /وقسّم فيها /السواد / العباد /البلاد /الوصايا /الحواس /الجناس /الطباق ../اعتصرت /روحه /غصة /فكان /العراق."

الغياب والوحدة والوحشة والحنين.. كل ذلك يملأ شعر عدنان الصائغ أحد أبرز مشردي السنوات الطويلة والكثيرة الماضية من العراقيين ومن الشعراء.

ويقول في تشكيل "أخيرا /وصلت قمة حياتي /لكنني لم أجد هناك /من الأيام والأصدقاء والعشب /ما يكفي."

وفي "قصائد قصيرة" نقرأ تحت عنوان "رسائل" قول الشاعر "نثيث الثلج /على نافذة منفاي /رسائل متجمدة وصلتني من هناك /هكذا يخيل لي /بينما ساعية البريد على دراجتها الهوائية /تشير إلى أن لا رسائل لي اليوم."

وتحت عنوان هو "!؟" كتب يقول "وطن أم زنزانة /الحاكم أضحى سجانه /نحن المحكومون به منذ زمان /يتوارثنا سجان /عن سجان /من باب الجامع /حتى الحانة".