قبل نحو اثني عشر عاماً، وتحديداً سنة 1998، أصدرت ديواني الشعري الأول "ولي اختيار الأرض"، وكانت الخطوة التالية التي نُصحت بها، أن أحصل على عضوية اتحاد كتاب مصر.

التمعت الفكرة في ذهني، وأحسست برغبة قوية في تحقيقها. وعلى الفور ذهبت إلى مقر الاتحاد غير عابئ باستيلاء سائق التاكسي على نصف ما في جيبي، رغم علمه بأنني مصري ولست سائحاً عربياً أو أجنبياً!.

أن تحمل مولودك الأول بين يديك، ليدون اسمك في سجل المؤلفين والكتاب في بلد أحمد شوقي، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وصلاح عبدالصبور، وفاروق شوشة، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وأمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، والقائمة تطول، فأنت على موعد مع فرحة أخرى وانتشاء لا يضاهيه انتشاء!.

ما إن استلمت استمارة العضوية حتى نسيت ابتزاز سائق التاكسي، لكنني صدمت بشرط قبول العضوية؛ فبالإضافة إلى الكتاب المطبوع لا بد أن يوقع اثنان من الأعضاء العاملين بالموافقة على انضمامي للاتحاد.

كان أول ما فكرت به أن أتجه إلى أتيليه القاهرة، فهناك يتجمع دائماً من المؤلفين والكتاب وأعضاء الاتحاد ما يكفي، ولكن من يا ترى سأحظى بتوقيعه على استمارتي؟.

قررت أن أنتظر الميكروباص أو الأتوبيس، وكلما اقترب مني تاكسي تجنبته وقبضت على جيبي!.

في الأتيليه وبينما أقص الحكاية على صديق لي التقيته هناك، فإذا بهذا الصديق يشير علي أن أذهب لشخص دخل لتوه فألقى علينا السلام وجلس في ركن بعيد.

الشخص المعني كان الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر، أعرفه جيداً من "أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت"، ومن "يتحدث الطمي"، ومن "رباعية الفرح"، و"احتفالية المومياء المتوحشة".

ترددت كثيراً قبل أن تصيبني رعشة الفرح وهو يوقع على الاستمارة ويقول "قرأت ديوانك هذا"، (كان الديوان بيدي)، وأنت تستحق"، ثم أشار إليّ أن أذهب إلى القاص الكبير سعيد الكفراوي الذي يجلس في ركن آخر، لتكتمل العضوية بقامتين كبيرتين في عالمي الشعر والقصة!.

هذا هو عفيفي مطر الذي رحل عن دنيانا يوم الأحد الماضي، مخلفاً فيّ على المستوى الشخصي علامة لا يمكن أن يمحوها الزمن، هي بصمة الإنسان الحقيقي والشاعر الحقيقي حينما يأخذ بيد إنسان في مقتبل حياته الإبداعية بكل حب وحنو!.

إن جملة عفيفي مطر "قرأت هذا الديوان، وأنت تستحق"، كانت وما تزال المعين الذي أنهل منه ولا ينضب أبداً، فرحم الله شاعرنا الفيلسوف، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.