وقانا لفحة الرمضاء واد *** سقاه مضاعف الغيث العميم
دخلنا دوحه فحنا علينا *** حنو المرضعات على الفطيم
تصد الشمس أني واجهتنا *** براعمه وتأذن للسنيم
يروع حصاه حالية العذارى *** فتلمس جانب العقد النظيم
وفي الشجرة أيضا حياة للثروة الحيوانية ومرتاد للسوائم، تعطي من أوراقها وتتساقط أزهارها وثمارها وتتفيأ ظلالها، وفيها تجد قوتها في زمن الجدب لما عرف عن الشجرة من تحمل للظمأ واستعداد لمواجهة سني المحل، وفيما تخلفه الشجرة من أغصان ذابلة وأفنان متكسرة، أو ما يبس منها تلقائيا، في ذلك مادة للوقود ينتفع به الناس في سائر منافعهم.
وفي الشجرة مصدر ثروة للبلاد يغنيها في تجارتها وصناعتها عن الاستيراد، ويوفر لها جزءا من ثروتها تسيله خارج حدودها بالعملة الأجنبية.
وفي انتشار الأشجار في البلاد والتفافها حولها، تتكاتف الرطوبة ويكثر سقوط الأمطار بإذن الله مما أثبتته التجربة وأيده الواقع في كثير من بلدان العالم وخصوصا في أمريكا الجنوبية، فلقد أصبحت بعد الأمحال خصيبة وبعد الجدب ممطرة مخضرة.
تلك هي فوائد الشجرة وهذه بعض منافعها، وبلادنا تعتبر في سابق عهدها أكثر البلدان العربية أشجارا وأغناها غابات، وأمتعها خمائل، ولم نزل ننقصها من أطرافها ونمعن في اجتثاث أشجارها، واستئصال غاباتها، حتى أقفرت كثير من أوديتها، وأصبحت قفراء كالمجرودة. ولو أدركنا ما نسببه من خسارة لبلادنا في كل شجرة نجتثها، وأن هذه الأشجار التي نمت في عشرات السنين بل مئاتها، سوف لا تعوضها البلاد إلا بعد أجيال وقرون، وأنه مظهر من مظاهر بلادنا سلطنا على إزالته ومصدر ثروة قضينا عليه، وسمة جمال قمنا على مسخها، ومادة أساسية لنعم البلاد وسائمتها ساعدنا على انكماشها.
لو أدركنا ذلك كله وفهمنا ما للشجرة من قيمة لسعينا لبقائها وعادينا كل من تحدثه نفسه أن يمسها بسوء.
فأدعوك أخي المواطن أن تجعل من الشجرة صديقا صادقا، وتحمل العداء لكل من حاول أن يعتدي عليها، وأن تسعى في غرسها في دارك وفي زرعتك، وأن تدعو إخوانك إلى ذلك وتشجعهم عليه، ويكون عندك وعي سليم وذوق مستقيم، تدلانك به على ما لهذا الكائن من أثر طيب في قوة بلادك ولازدهارها.. فكل شجرة تغرسها أو تحافظ عليها تكون قد وضعت لبنة من لبنات الإصلاح في بلادك.
1979*
* أديب سعودي «1919 - 2011»