باتت بكل وضوح بعض مؤسسات الدعاية والإعلام في وقتنا الحالي تعمل بهذا النهج الذي أسسه جوبلز، فكما هو جلي بأنه أبرز أساليبهم للنيل من أوطاننا، لكن يبدو أن تلاميذ اليوم قد تفوقوا على أستاذ الأمس، فيبدعون في التلبيس والتدليس حتى يكاد المرء أن يقول إنه الحق وهو باطل يرتدي عباءة حق، وهنا يكمن واجبنا بالدفاع بالقول والفعل، وترسيخ حب الوطن في أعماق صدور وعقول وجوارح أبنائنا وتبيان ما هو الحق المبين.
رحم الله المعلم الكبير الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزير التعليم الأسبق فكم دافع عن قرار وزارته بتعليم التربية الوطنية أمام من كان يحلو لهم معارضته في كل ما هو صواب، فقال "وطننا يستحق من يعلمه للأجيال ويستحق من يحبه ويرفعه فوق رأسه، فإذا كانوا يعيبون على شيء أفتخر فيه، فهذا قصور فيهم وليس في العاملين في الوزارة الذين اتخذوا هذا القرار وأدخلوها ضمن المناهج الدراسية، فنحن لسنا بدعا من العالم ولسنا الوحيدين الذين نعلم التربية الوطنية فكل بلاد الدنيا خاصة ذات الشأن والحضارة والثقافة العالية تحاول أن تنشئ أبناءها على تربية حب الوطن في نفوسهم ومعنى الانتماء للوطن ومعرفة مؤسسات الوطن وتاريخ الوطن، ومن يلومني فهذا دليل على قلة فهم فيه، فلماذا لا أربي النشء على حب الوطن، هل نريدهم أن يكرهوه؟!" -انتهى-.
نحن في زمن يتهم فيه الولاء للأرض والدفاع عن العرض تطبيلا ، فيا ليت ذلك الطبل سلعة تشترى لاشتريناه بما نملك ونطرب على طرقه صباح مساء تخليدا لذكرى أبطال تواروا تحت ثراه ثم نطرقه حبا لوطن كان يراه غيرنا صحاري خاوية ونراه وردا يفوح عبقه اذا اشتدت النفحات وشجر حنّاء يزين الرؤوس والكفوف سُقي بعيون عذبة تروي الظمآن وشجر أراك تطيّب عروقه الأفواه.. نراه دار خِمار عفافها خضار نخيل يانعة تُشبع الجياع، دار يسّر الإله لنا فيها رجلاً جعل توحيده سبحانه شعارا لدولته، فلا إله إلا الله محمد رسول الله دائما وأبدا وحتى يبعث الأموات.
في ليلة قمراء غير معلومة.. رجل طاعن في السن متكئ على عصاته في شرفة منزله، يدركه العطش فيهم برفع كأسه، شيء طرأ شغل باله، فأوقف الكأس قبيل عتبات فمه، ينعكف حاجباه مستغربا رافعا بناظره إلى الكون متسائلا:
رغم الطيور الجارحة التي تحوم حول حماها والضباع الجائعة تلهث حول رباها، كيف هي تلك الدار يا كون محمية؟!
يجيب الكون "حماها اللي حمى في السفينة نوح".
فيبتسم.. فيستوي حاجبيه.. فيوصل كأسه إلى فيه ليروي عطش من روته إجابة.