يشهد التدريب التقني والمهني في المملكة، حراكاً ملموساً وغير مسبوق وذلك من أجل تغيير الصورة النمطية التي ارتبطت به على مدى عقود من الزمن جعلت من الشهادة التقنية أو المهنية خياراً (ثانياً) لخريجي المرحلة الثانوية، وتسعى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من خلال تقديمها لعدد من البرامج التدريبية والمبادرات الاجتماعية إلى تغيير هذه الصورة النمطية، وذلك من خلال تغيير نظرة المجتمع وثقافته وتعزيز إدراكه لأهمية المهن.

ولو بحثنا الآن في متطلبات سوق العمل لوجدنا احتياجه لمن هم أصحاب مهارة أكبر من احتياجه لمن يملكون مؤهلات أكاديمية.

والتدريب التقني أصبح الآن هو البوابة الكبرى لسوق العمل الذي يستعد في هذه المرحلة لاستيعاب عدد كبير من الخريجين التقنيين بعد تدريبهم وتأهيلهم فنياً بأحدث الطرق التدريبية والوسائل المستحدثة في عالم التدريب. ويؤكد ذلك كثير من المؤشرات كون المملكة لديها عدد كبير من العمالة الوافدة لسد تلك الاحتياجات والمتطلبات في المهن بمختلف مجالاتها، وقد لا يكون لدى هذه العمالة المهارة الكافية لإتقانها، وتحقيق المنتج الجيد. وذلك بسبب عدم تأهيلها بشكل متخصص في مؤسسات تدريبية احترافية، مع ذلك تجد أن هذه العمالة تحصل على أموال طائلة ومع الأسف يساهم التستر التجاري في خروج هذه الأموال إلى خارج المملكة.


والآن مع توجه الدولة نحو مكافحة التستر التجاري وإحلال السعوديين في الوظائف الفنية وغيرها، ومع سن الأنظمة والقوانين المتعلقة بهذا الشأن في القطاعين العام والخاص، لعلها هي الفرصة الذهبية للشباب السعودي من الجنسين والمؤهلين من خريجي التدريب التقني والمهني لاقتحام سوق العمل وإثبات مهاراتهم، وأنهم على مستوى عالٍ من التدريب، كما أنهم على استعداد لممارسة العمل الحر.

والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لديها إمكانيات وتجهيزات على مستوى عالٍ من الجودة والحداثة والتطور ربما تتفوق هذه التجهيزات على كبرى الشركات في القطاع الخاص! وأيضاً يوجد بها كوادر تدريبية مؤهلة على أعلى مستوى، ودائماً ما يؤكد صناع القرار في المؤسسة على أن مدربيها هم رأس المال في العملية التدريبية وللمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني مسارات متعددة للتدريب فيها. فهناك ما هو طويل المدى، وما هو قصير المدى فتوجد برامج تمنح درجة الدبلوم لخريجي المرحلة الثانوية ومن ثم يستطيع الخريج الحصول على درجة البكالوريوس من أحد الجامعات أو من خلال كلية إعداد المدربين ليصبح الخريج فيما بعد مدربا في الكلية أو المعهد ومن ثم بإمكانه الحصول على بعثة خارج المملكة لاستكمال الدراسات العليا في ذات التخصص، وأيضاً يوجد لديها مسار لخريجي المرحلة المتوسطة في المعاهد الصناعية الثانوية ولديها عدد من المعاهد المشتركة والمراكز المتخصصة، إضافة للمعاهد الأهلية التي تقدم عددا كبيرا من البرامج والدورات التطويرية.

وتحظى هذه المعاهد بدعم مادي جيد من المؤسسة التي عقدت مؤخراً عدداً من الشراكات الإستراتيجية، وأبرمت عددا من مذكرات التفاهم مع جهات حكومية وأخرى في القطاع الخاص تهدف من خلالها إلى توثيق وربط المتدرب بسوق العمل مباشرة، إما من خلال التدريب المنتهي بالتوظيف أو التدريب المبتدئ بالتوظيف.

ويحتوي التدريب التقني والمهني على ما يزيد عن 90 تخصصا كالحاسب الآلي، والإلكترونيات، والعمارة، والميكانيكا، والسباكة، والنجارة، والتبريد والتكييف. وأيضاً توجد تخصصات موجهة للفتيات مثل التجميل والخياطة والتفصيل والتصوير الفوتوغرافي والفندقة والسياحة ونقش الذهب، وعدد من التخصصات التي يطلبها سوق العمل، إضافة إلى استحداث عدد من التخصصات النوعية كالأمن السيبراني وتقنية القطارات وصيانة الطائرات، ويبلغ إجمالي عدد الكليات التقنية للبنين 62 كلية تقنية موزعة في جميع أرجاء مناطق المملكة، ويبلغ عدد الكليات التقنية للبنات 29 كلية تقنية.

كما أطلقت مؤخراً كليات تقنية رقمية لمواكبة التحول الرقمي والذي بدوره يساهم في تحقيق رؤية الوطن 2030 ولعل تصريح محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتور أحمد الفهيد بأن المؤسسة تستعد لاستقبال 35% من خريجي المرحلة الثانوية، بحلول عام 2025 يؤكد التوجه الوطني نحو توطين عدد كبير من القطاعات الحيوية الواعدة في المملكة، ومع بداية هذا العام التدريبي 1442 وصل عدد المتدربين إلى ما يزيد عن 241 ألف متدرب ومتدربة.

همسة

التدريب التقني في بعض الدول المتقدمة يستحوذ على أكثر من النصف من خريجي المرحلة الثانوية، وربما نرى بعد فترة ليست بعيدة أن التدريب التقني والمهني لدينا سيصبح هو الخيار الأول لخريجي المرحلة الثانوية، في ظل ازدياد الطلب والاحتياج الفعلي لسوق العمل من خريجي وخريجات هذا القطاع.