الأحداث التي وقعت مؤخراً وتفاقمت في بعض الدول معتلية عناوين بارزة في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة عن العنصرية، ابنة النرجسية الحميمة، والتي من أهم أركانها استعلاء فئة معينة من البشر على أخرى، بحكم اللون والمكانة الاجتماعية أو المادية.

والنرجسية مرض يتنامى كالداء العضال في المجتمعات المختلفة. ولا تزال بعض هذه الفئات من الأمم تحمل في جيناتها هذه الصفات والسلوكيات المقيتة، وتورثها من جيلٍ إلى جيل.

إن تعاظم الذاتية واستعلاءها على الآخرين، إن هي إلا قوى تحويلية تنتج مزيدا من تسميم الأفكار، وإحداث الشروخ الاجتماعية، والفوضى الخلّاقة، والانقسام المجتمعي، والكراهية البغيضة، كون هذه الفئة لها طقوسها الخاصة في رؤية الآخرين الذين هم بغير جنسها أو لونها.


يقول الكاتب الدكتور فان تونجرين وهو أستاذ مساعد في علم النفس «لطالما تم الإشادة بالتواضع باعتباره فضيلة قديمة، ومع ذلك، في كثير من الأحيان، يتم التغاضي عن هذه السمة وتقليل قيمتها». انتهى كلامه.

لقد أسس الإسلام قواعد المنهجية الاجتماعية على احترام الذات، ووضعها في قوالبها وحدودها التي أمر بها خالقها، من التواضع وخفض الجناح للضعفاء كباراً أو صغاراً ذكوراً وإناثاً، بما يحقق الأمن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، ونهى عن العنصرية البغيضة، قال الله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم).

إن أول مخلوق اعتلى موجة النرجسية في الخليقة وأعلنها صراحة على الملأ هو إبليس، عندما قال (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، وأشار أيضاً بقوله ﴿أرأيتك هذا الذي كرمت علي)، في إشارة منه إلى آدم عليه السلام دون ذكر اسمه تحقيراً واستعلاء وتباهيا، واستشرت بين المجتمعات الإنسانية ولا تزال قائمة حتى حينها.

إن النرجسية جهالة، والعجيب أن معتنقيها يتشدقون بالانفتاح الثقافي والتنويري، ويتباهون أنهم من أربابه، وهم في الواقع أصحاب ذهنية منغلقة، وسرعان ما يندمجون لأي دعوة أو ثائرة عنصرية بغيضة، وتعلو أصواتهم في محافل التعصب المجتمعي، متجاهلين كل ما يتعلق بالانفتاح أو الحوار البناء بين الثقافات، والمعتقدات المتباينة بين فئات المجتمع.

قال صلى الله عليه وسلم «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، النَّاس من آدم، وآدم من تراب».

إن الواقع الحالي للعنصرية في كثير من الأمم يقف في حيرة وتناقض صارخ مع دعوات الانفتاح العقلي والاندماج المجتمعي واحترام الذاتية الإنسانية، ولكن كل هذا وذاك بمعزلٍ عن العمل الجاد على تنمية السلوك الاجتماعي في الأجيال بما يكفل تطويره وارتقائه.

تظل هذه الدعوات حبراً على ورق، والصورة ليست قاتمة بالكلية، فما يسرُّ في هذا الجانب، أنك تجد كثيرا من الجماعات أو الأفراد في هذه المجتمعات ينتقدون العنصرية ويتصدون لها، يبغضون من يمارسها أو يُعلنها، إضافة لقيام أغلب الحكومات بفرض عقوبات صارمة للحد منها والقضاء عليها قدر الإمكان.