لذلك نلاحظ أن البعض منهم تصدر منهم تصرفات مريبة قد تميل للعنف ضد الآخر، لذلك الكثير من سكان الحي خشية من ردود فعلهم يتعاطفون معهم من باب الشفقة ويمدّونهم بما يحتاجونه من مأكل ومشرب وملبس، وإن كان أكثرهم لا مأوى محدد ومناسب لهم، لذلك يختفون فجأة ويظهرون فجأة مع عدم إدراكهم للمخاطر، مما قد يتسبب في أذى المتعاطفين معهم، وخاصة صغار السن في ذلك الحي. ولقد واجهتني شخصياً هذه المشكلة في أحد الأحياء الكبيرة بالرياض، عندما تقدم أحدهم للسائق صباح ذلك اليوم طالباً مالاً مساعدة، ولعدم إدراك السائق للتصرف الحسن معه بسبب خوفه من هيئته الرثة جداً، لحق بي للدخول لأحد مواقع العمل النسائية دون خوف، ولكن ولله الحمد تم التدخل مباشرة من حارس أمن الموقع بحكمة وهدوء. بعدها تكررت رؤيتي له في الحي يتجول ويجمع من براميل النفايات، فبدأت اتصالاتي حينها للسؤال عن جهة محددة للتعامل مع هذه الفئة المحتاجة للتدخل والحماية والعلاج، لكن للأسف لم يكن هناك جهة صحية أو اجتماعية مسؤولة عنهم بالرغم من خطورتهم التي قد تصل لدرجة القتل (حيث حدث سابقاً بعض الاعتداءات الخطرة منهم ضد الآخرين)!
حتى استبشرت خيراً بوجود مركز أجواد للخدمات المجتمعية الذي أنشئ عام 1434 بالرياض، وفي 1436 افتتح الفرع الآخر بمحافظة جدة، تحت إشراف المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية، والمختص برعاية وتأهيل المرضى النفسيين التائهين والمشردين المرفوضين من أسرهم، أو من لا عائل لهم، ويتم جلبهم من الشوارع والحدائق والأماكن العامة، مع تقديم تدخلات علاجية متنوعة ذات جودة عالية، وكان من أبرز ثمار المشروع بعد الاطلاع على تقريرهم السنوي لعام 2019 «هو جذب هذه الفئة من المواقع العامة واحتوائهم في بيئة صحية آمنة مناسبة لهم مع حمايتهم وتقليل المخاطر الناتجة عن إهمالهم، مع العمل على تعديل أوضاعهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية، وإعادة تكيفهم الأسري». هذه الخدمات عظيمة إنسانياً بحق فئة قد يُساء استغلالها من أصحاب النفوس المريضة، ومروجي المخدرات، أو الجماعات ذات الأهداف غير الآمنة، لذلك فإن هذيّن المركزين الوحيدين على مستوى المملكة، وبعد الإنجازات الإنسانية التي حققاها لهذه الفئة ذات الوضع الخطير جداً بالرغم من إمكاناتهما المحدودة مع فريق أغلبه من المتطوعين، بحاجة لدعم قوي من وزيري الصحة والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، مع حث القطاعات الحكومية والخاصة ذات العلاقة على المساندة الدائمة مادياً وبشرياً، وخاصة بعد موافقة سمو ولي العهد بتحويل «مركز أجواد للرعاية المجتمعية» إلى جمعية وطنية بمسمى (الجمعية الوطنية للخدمات المجتمعية) في عام 1437، ما يدل على نجاح وفعالية دورها الرائد في خدمة التائهين والمشردين في مجتمعنا القائم على التكافل الاجتماعي.