أريد لعقلي الانطلاقة الحُرة وباجتهاد مضن دون حتمية أو جبرية، أو فرض وصاية.

أحب له أن يغترف من أنهار الحياة، وبحارها وبمعزلٍ عن المرجعية الذاتية التقليدية الراضعة من الغير، فأنا لا أعترف بالإتكالية ولا بالنرجسية التي تبحث عن اعتراف الآخرين بهم، ولا عمن يوجهها ويبصرها بالخُرافة، ولو كان على وجه القهوة أوعلى كف الشيطان. ولا أرغب أيضاً أن تفرض المرجعية الغيرية أفكارها وتعطل عقلي فيُهمل القلم ويجمد حبره، فالعقل هبة الله لكل إنسان مخلوق، لا هبة البشر ولا الشيطان.

ورفيقي القلم يترجم ما تمليه عليه الذاتية المتخمة بالإرث التقليدي المستمد من حقول التسليم الأجوف، فكيف للعقل الحُر أن يقيّد نفسه برؤى ونظريات وآراء مكررة عانت في عهدها القديم ما عانت من انتهاك الذات والتطفل على موائد التلقين الأعمى.


لقد بات عقلي وقلمي يتنافسان للسير في طريقين متضادين، فلا شرعية للذاتية ليعترف بها العقل ولا اعتراف من الذاتية بصمت العقل المزمن.

وحين يكتب القلم بحبرٍ عتيق في عصر التنوير يكون قد أحاط سطوره بسخرية فاعلة من قِبل العقلنة والمنطق.

وصرخة العقل من طفح الكيل باتت مُرهِقة للذاتية مطالبة إياها بمحو الإرث الإمعي، لا قسوةً عليها ولكن لإنقاذها من الغرق ولو بطوق نجاة، فالعقل بتركيبته المنسقة وإمعانه الحكيم يهوى التكيف مع النضج المعرفي والنهضة العلمية والتقدم الحضاري والإنساني، ويعشق حوار الموضوعية المبتكرة وتجديد المنطق نظراً لتجدد أحوال الناس بالحياة.

والعقل الحكيم يعشق القلم المُنير عشقاً سرمدياً فهما رفيقان لمهنة واحدة ورواية واحدة أبطالها الوعي والمعرفة.