في يوم الأربعاء الماضي (18 أبريل 2012) اعتذر وزير الدفاع الأميركي ليون بانتا عن الصور التي نشرتها صحيفة (لوس أنجلس تايمز) والتي أظهرت جنوداً أميركيين وهو يلتقطون صوراً لهم مع جثث لقتلى أفغان، وفي إحدى الصور ظهر جنديان أميركيان وهما يمسكان بيد مقطوعة ويستخدمانها بشكل يخدش الحياء.

ولكن الوزير الأميركي لم يتحدث مباشرةً عن المخالفة الصريحة لاتفاقيات جنيف التي تعنيها هذه التصرفات، وما تفرضه تلك القوانين في معاملة الموتى، ولم يذكر الإجراءات القضائية اللازمة في التعامل مع تلك التصرفات البشعة، أو البُعد الأخلاقي لها. ومع الأسف فإن البعض قد يقرأ تعليق الوزير كما لو كان تبريراً غير مباشر، حينما قال أمام هذا المؤتمر الصحفي الذي عُقد في بروكسل خلال اجتماع لحلف الناتو: "أنا أعرف بأن هذه حرب، وأدرك كم هي الحرب قبيحة وعنيفة. وأعرف كذلك أن الشباب أحياناً ينساقون مع اللحظة ويتخذون قرارات طائشة".

ومن المؤكد أن الوزير لم يقصد بكلماته هذه أن يبرر تلك التصرفات، ولكنها يمكن أن تُفهم كذلك، أو على الأقل تُظهر عدم مبالاة بالأبعاد القانونية والأخلاقية لتلك المخالفات الصريحة لاتفاقيات جنيف.

وحتى نضع ملاحظات الوزير في سياقها، فإنه قد قال أيضاَ في المؤتمر الصحفي: "إن هذه التصرفات تتعارض مع تعليماتنا، وأكثر من ذلك مع قيمنا الأساسية. وإنني أعتذر نيابة عن وزارة الدفاع وعن حكومة الولايات المتحدة. ومرة أخرى، فإن هذه التصرفات غير مقبولة". ولكن هذه الإضافة ما زالت لا تحتوي على تعبير واضح عن البُعد الأخلاقي في الموضوع لهذه التصرفات الشنيعة من قبل الجنود الأميركيين، ولا تتحدث بدقة عما تعتزم الولايات المتحدة القيام به حيالها.

بل يظهر من تصريحات المسؤولين الأميركيين أنهم قلقون بشأن الضرر الذي يُمكن أن توقعه هذه التصرفات على صورة الجيش الأميركي، وبشأن عمليات الانتقام التي يمكن أن تحدث بسببها، أكثر من قلقهم من طبيعة تلك الانتهاكات لحقوق الأفغان. وهذا واضح من قول الوزير إنه يأسف لقرار صحيفة (لوس أنجلس تايمز) بنشر تلك الصور، بسبب ما يمكن أن تؤدي إليه من أعمال انتقامية ضد الجنود في أفغانستان، حين أضاف: "لا أريد أن تؤدي هذه الصور إلى إحداث المزيد من الأذى لأبنائنا، أو لعلاقتنا مع الشعب الأفغاني. فمثل هذه الصور تُستخدم من قبل العدو للتحريض على العنف، وعادة ما تؤدي إلى مزيد من الضحايا".

أما السيد (جورج ليتل)، المتحدث الرسمي باسم البنتاجون، فقد قال إن القوات الأميركية في أفغانستان قد بدأت في اتخاذ احتياطات أمنية لحمايتها ضد ردود فعل متوقعة بسبب تلك الصور، مضيفاً أنها "تُستخدم من قبل العدو للتحريض على العُنف ضد قواتنا".

ولكن لكي يمكن إصلاح "العلاقات مع الشعب الأفغاني" التي يُشير إليها الوزير فإن الولايات المتحدة يجب أن تكون واضحة ومحددة عما قامت به أو ستقوم بها حيال محاسبة هؤلاء الجنود، وليس البحث عن معاذير لهم، خاصة أن هذه التصرفات ليست حالة معزولة أو وحيدة، بل تبدو كما لو كانت جزءاً من نمط سلوكي أصبح يتكرر كثيراً مع الأسف.

ففي إحدى الحوادث التي اشتهرت، قام عدد من الجنود الأميركيين بإحراق نسخ من المصحف الشريف، مما أدى إلى احتجاجات كبيرة نتج عنها مقتل العشرات من الأفغان وستة من الجنود الأميركيين. وفي حادثة أخرى ظهر شريط فيديو، لم تُنكر صحته القوات الأميركية، وفيه عدد من المارينز وهم يقضون حاجتهم فوق جثث أفغانية. وفي حادثة أشنع، هاجم جندي أميركي عدداً من المنازل في ريف أفغانستان، وقتل (17) مدنياً وهم نائمون، رجالاً ونساءً وأطفالاً.

وفي الحادثة الأخيرة التي هي موضوع هذا المقال، لم يكشف الجيش عن انتهاكات جنوده، بل كانت صحيفة (لوس أنجلس تايمز) هي التي فعلتْ، حيث نشرت (18) صورة تُظهر أعضاء من فرقة المظليين رقم (82) وهم يلتقطون صوراً لهم وهم يعبثون بجثث الموتى. بل إن الجيش طالب الصحيفة بعدم نشر الصور.

ومن المؤكد أن الجيش الأميركي يتخذ إجراءات داخلية كلما كُشف عن إحدى هذه المخالفات، ولكن مهما كانت تلك الإجراءات فإنها لا تبدو كافية لمنع وقوع المخالفات مراراً وتكراراً.

ولذلك فإن مما يبعث على القلق أكثر هو احتمال أن تكون هذه التصرفات المعيبة قد أصبحت نمطاً سلوكياً هو انعكاس لثقافة من اللامبالاة بقوانين الحرب بين القوات الأميركية، ومن القناعة بأن مخالفتها لن تنتج عنها محاسبة أو عقاب. ومما يرجح ذلك أن صحيفة (لوس أنجلس تايمز) قالت إنها حصلت على الصور من أحد أعضاء فرقة المظليين المشار إليها الذي عبر لها عن قلقه بأن وقوع مثل هذه الحادثة "دليل على انهيار القيادة والانضباط" بين أعضاء الفرقة، وأضافت الصحيفة أن أعضاء هذه الفرقة اعتادوا على عرض صور عنصرية وصور ضد النساء، خلال مداولاتهم الرسمية اليومية.

وفي ضوء هذه التفاصيل، وتكرر الانتهاكات، فإن ما فعلته الصحيفة هو ما يمليه الواجب الصحفي، كما قال أحد محرريها: "بعد كثير من التمحيص والتفكير، قررنا أن نشر جزء صغير مما لدينا من الصور، سيفي بالتزامنا نحو قرائنا، بأن ننشر تقارير قوية ومحايدة عن جميع ما يتعلق بالمهمة الأميركية في أفغانستان". وأقول: لا داعي للاعتذار، كما يبدو من لهجة الصحيفة، إلا عن عدم نشر بقية الصور.