لم يكن غريباً أن تمتمت سيدة فرنسية في العقد السابع من عمرها، بعد أن انتهت الندوة التي أقيمت في اليوم الأخير من أيام سعودية في اليونسكو لجارها وهي تقول: الأيام السعودية كلها في كفة، وحياة سندي في كفة ثانية. عرفت ذلك لأني تشرفت بإدارة الندوة وقد بعث لي الرجل بورقة كتب فيها هذه المعلومة وهو في منتهى الزهو بهذه الفتاة السعودية المشرفة.

كانت فعاليات الأيام السعودية رائعة، لكن العبارة كانت صيغة مدحٍ عاليةٍ من امرأةٍ فرنسيةٍ رأت في هذه المرأة المحاربة من أجل العلم حياة سندي مثالاً يحتذى في طرق الصعاب ومنازلة أحلك الظروف، كانت لي السعادة بأن قدمتُ الندوة التي شاركت فيها سندي، تتحدث بتهدجٍ جميل خلاب، بعفوية المرأة، وعقل الإنسان المبتكر، حتى لتخال أنك أمام عباقرة مضوا في مجالات العلوم الطبيعية، كلمات بسيطة ولكنها دالة، هكذا كان حديث حياة سندي الشيق والذي تناول مسيرتها منذ الطفولة، وأخطار الفشل، وطرق النجاح.

فتحت ذاكرة النجاح، والتي تبدأ عادةً بمخاطر الفشل، فالنجاح أساسه تغلب على فشل محتمل. تقول سندي: "عندما يقف الزائر أمام جامعة كامبريدج ينجذب إلى مبانيها القديمة وحدائقها المتناسقة، لكن الحقيقة من الداخل تكون مختلفة في بعض الأحيان. لقد صدمت عند خطواتي الأولى هناك وأنا أسمع أحد المدرسين المتميزين يتوقع لي الفشل لسببين، حسب رأيه، الأول هو أن العلم لا يتماشى مع الدين، والثاني هو أنني امرأة في مجال يسيطر عليه الرجال". لم يثنها تدينها عن العلم، ولا أنوثتها عن التفوق على الرجال في مجال تخصصها. إنه النجاح حين يهزم كل إمكانات الفشل!

نموذج الدكتور حياة هو ما يمنح المجتمع صورته المشرقة في العالم، مللنا من حديث الآخرين عن نقائصنا، وآن الأوان لنتحدث عن هذه الأمثلة الحية. الدكتورة لم تعزل نفسها على طريقة المبدعين التقليدية، بل هي تواقة باستمرار إلى التواصل مع الآخرين تقول: "على المستوى الشخصي أتمنى أن يكون لدي مقر يمكنني من التواصل مع الأكاديميين والجامعيين والمفكرين الغربيين، حتى جيراني أرغب في التواصل معهم بشكل دائم، إن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، نحن أمام أمر إلهي بضرورة التعارف وتعريف الآخرين، لأن هذه المعرفة تجعل كلا منا يتفهم أبعاد تصرفات وعادات وقيم الآخر لأنها تجعلنا أكثر معرفة".

قال أبو عبدالله، غفر الله له: العالمة الفاضلة حياة سندي هي وجه لامع من وجوه المجتمع السعودي. عكست بمعدن علمها الثمين أنصع صورةٍ، وارتفعت إليها أعناق الفرنسيين والغربيين، فهي التي تفوقت في مجالات علميّة نادرة، هازمةً عوائق كانت مطروحة عليها منذ بدايتها، وعلى رأسها عائقي: أنوثتها، والدين!

لذلك لم يكن غريباً أن وقف كل الحضور بفخر وإجلال وتقدير لحياة سندي بعد أن انتهت من ورقتها.. إنها تستحق الوقوف لها تقديراً!