عندما يسألون شخصاً ما: من أنت؟ فإنه يبرز وثيقة أو جواز سفر يحتوي على معلوماته الشخصية، أما إذا سألوا شعبًا: من أنت؟ فإنه سيقدم علماءه وكتابه وفنانيه وموسيقييه وسياسييه وقادته كوثائق - الشاعر الداغستاني رسول حمزتوف.

التنافس على الموارد هو سلوك بشري أزلي ويشمل ما فوق الأرض وما تحتها ومنها الثقافة. والثقافة كما يعرّفها إدوارد تايلور، مؤسس علم الأنثروبولجيا الثقافية بأنها: «جملة المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاقيات والأعراف والتقاليد وكل ما يكتسبه الإنسان من سلوكيات ومهارات باعتباره فردًا من مجتمع».

تميزت بلادنا بخصائص تاريخية وجغرافية وقومية وثقل اقتصادي وسياسي وقبل كل هذا، المكانة الروحية، هذه الخصائص وغيرها لا تجتمع في بلد آخر على كوكب الأرض مما يجعلنا أمام صناعة ثروة ثقافية هائلة تدر على الوطن موارد عديدة جديدة مستدامة. لدينا موروث ثقافي شعبي، منه الأدبي والمعماري والفني والتاريخي والإسلامي، وجملة من التقاليد المتنوعة وسلوكيات ومهارات شعبية، والعديد مما ذكر في تعريف الثقافة الآنف الذكر وزيادة.


إن جولة خاطفة لمهرجان الجنادرية وعكاظ، مثلاً، قد لا تشكل شيئاً يذكر أمام الموروث الثقافي في السعودية، رغم ما في المهرجانين من تنوع ثري.

ولكون رؤية 2030 تهدف لتنويع الموارد فالثقافة الاقتصادية ستخلق رافدا مهما في هذا الشأن. لو نظرنا إلى جانب واحد يسير وقد يكون أصغرها وهو المطبخ السعودي والذي يمتاز بتنوع كبير بين مناطق المملكة الثلاثة عشر، وقد تتنوع الأكلات الشعبية في المنطقة الواحدة نفسها، في تشكيلات مختلفة أجزم أنه تنوع لن تجده في بلد آخر.

إن تجربة كوريا الجنوبية التي أضحت ثقافتها عابرةً للقارات بعد أن كانت غارقة في المحلية جديرة بالاهتمام. نستطيع ملاحظة نشاط كوري ملموس في صناعة المظهر الشخصي والفني والأزياء وخلافها . اقتصاد الثقافة في كوريا توجه لإعادة تدوير المظهر الشخصي كمنتج ثقافي، فسيؤول اليوم غدت إحدى عواصم الفن والموضة. ولأن اقتصاد الثقافة وهو ما يسمى «الاقتصاد البنفسجي»، يراد منه أن تكون الثقافة هي القوة الناعمة ذات الأثر البالغ والمتغلغل في تنمية الاقتصاد، نستطيع نحن كذلك تدوير الثقافة العالمية المشتركة من خلال وضع بصمتنا الخاصة بما يتوافق مع قيمنا ومبادئنا العريقة، فضلاً عن تصدير ثقافتنا ذات الجذور العريقة والحديثة.

إن الشركات والمؤسسات التجارية يمكن أن تكون رافدا للثقافة في السعودية حتى ولو عاد عليها اقتصاديا إلا أنه من المهم تخصيص دور لها وأن تضع نسبة محددة للإسهام في ثقافتنا وفنوننا المتعددة.

إن التنمية الثقافية هي جزء من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يتأتى هذا من خلال إسهام القطاعات كافة في الحركة الثقافية - بمعناها الشامل- باتجاه الجانب الاقتصادي، الذي يرفع منسوب الناتج المحلي والقومي من خلال ما يسمى «الصناعات الإبداعية». نتفق جميعاً أن لدينا وفرة في المحتوى الثقافي الخام وعجزا في صناعته وتقديمه كقوة ناعمة وموارد اقتصادية.