قبل العام 1989، لم تكن ثمة أدبيات أو خطاب صحوي سعودي، واضح المعالم والرؤية والاتجاه للمراقب، يمكن قياسه بدقة، وعلى العكس في العام 2003، حيث وصلت الصحوة إلى بنية خطابية متكاملة ومتعددة على مستويات مختلفة: شرعية واجتماعية وسياسية وحقوقية.

لاحظ عبدالسلام الصقعبي، وهو محام وقانوني، نفساً حقوقياً متصاعداً في خطابات الصحويين وبياناتهم، وطرح في 2005 فكرة جمع ودراسة بيانات الصحوة، والتي بدأت بخطاب للدكتور عبدالله بن حمود التويجري والذي كان موجها للحكومة، وجمع فيه التويجري أكثر من 200 توقيع (يناير 1991)، ثم أعقبه خطاب المطالب أو خطاب شوال وفيه أكثر من 400 توقيع (مايو 1991)، ثم مذكرة النصيحة وفيها مائة توقيع (يوليو 1992)، وفي السياق ذاته والوقت نفسه، كانت المئات من المكاتبات والبرقيات ترسل إلى الجهات الحكومية، فيما يعرف بمسائل الإنكار التي كان يديرها الصحويون، ويكتبها العاديون من الناس.

الخطابات التي توجه للداخل أو لبعض المناطق الإقليمية، لا تخاطب من وجهت له بالمقام الأول، إنما تخاطب العالم الغربي، والساسة منهم تحديداً، واتضح ذلك جلياً عندما تضخمت موضة الحقوق في البلد، واتضحت أكثر بعد موجة الربيع العربي.


ويمكن اعتبار شريط (رسالة من وراء القضبان) لسلمان العودة، البداية الأولى لتحول الخطاب الصحوي الوعظي، ثم السياسي، إلى خطاب حقوقي، يتكلم عن الحريات، والمشاركة، والفساد، والإصلاح، وهي التي لم تكن موضع اهتمام الصحويين يوما، ولكنها نصيحة خارجية (محمد سرور/‏‏عزام التميمي) للتمكن من مخاطبة العقلية الغربية فيما بعد.

وحكاية الخطاب الصحوي تبدأ من المؤتمر الإسلامي الأول عام 1962، والذي أُعلن من خلاله إنشاء رابطة العالم الإسلامي، فقد مهد المؤتمر الطريق لتخلق الصحوة في رحم السلفية داخل السعودية، وذلك عندما استضافت الحكومة السعودية بكل شهامة ومروءة قادة جماعة الإخوان المسلمين وأفرادها الفارين من ملاحقة الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية، بعد أن أخذت عليهم العهود والمواثيق التي لم يلتزموا بها، بعدم العمل الحزبي من داخل الأراضي السعودية، وعدم تجنيد أي مواطن سعودي. خيانة العهد من قبلهم، وعملهم بشكل سري أنشأ لاحقا خطابا جديدا على المجتمع السعودي، وهو خطاب الإسلام السياسي، والذي سيظل كامنا مدة من الزمن ليطل برأسه في العام 1987، ثم ينفجر مع أزمة الخليج في العام 1991.

وبعد تحرير الكويت، تركزت الأضواء على الصحوة، وتشكل خطابها، وأدوات ذلك الخطاب بشكل واضح مرحليا، وكان من أهم تلك الأدوات إشراك الكم الهائل من الجمهور مع دعاة الصحوة عبر الوسائل المتاحة حينها، ومن أهمها التواصل الشخصي أو عن طريق الفاكس، أو بالمكاتبات أوغيرها، وكانوا يعرضون ما يأتيهم أمام الناس في المحاضرات التي لاقت انتشارا واسعا عبر الكاسيت.

وكان تأثير المسعري والفقيه في بث البيانات والنشرات الأسبوعية، التي يتداولها الشباب الصحوي على نطاق واسع، دور كبير في خلق خطاب من نوع جديد لم يعتده السعودي خصوصا فيما يتعلق بولاة الأمر.

ثم جاءت «أحداث 11 سبتمبر» بعد ذلك، وقلبت العالم رأساً على عقب، وتأثر الخطاب الصحوي بشكل كبير، وبادرت الصحوة بالتماس مع هذا الحدث عبر بيانات مشتركة مع مختلف الأطياف، أعطاها مرحلة جديدة مختلفة عما مضى.

ونظرا لتعدد تنظيمات الإخوان المسلمين في السعودية، إلى ما يزيد عن خمس تنظيمات وربما أكثر، وهذا بخلاف السرورية، فقد تعددت تفاصيل الخطاب الصحوي وشكلياته، ومن المهم -استطرادا- ذكر سبب هذا التعدد أو التشظي، لعلاقته بالموضوع، ولعل مرده -من وجهة نظري- إلى عدة أسباب:

الأول: حظر العمل السياسي والتنظيمي الحركي السري داخل المملكة، مما ألجأهم إلى تكوين خلايا منفصلة عن بعضها، للبعد عن الملاحقة الأمنية والمساءلة، الأمر الذي نوّع وسائل الخطاب، وأساليبه.

الثاني: وجود قيادات إخوانية قُطْرية مختلفة لا يمكن أن تندمج تحت بعضها تنظيميا، مما جعل كل قيادة ومجموعتها تعمل حسب قدراتها وأدواتها، وحسب شكل تربيتها الحزبية.

الثالث: عندما تهيأت الكوادر السعودية للنهوض بالعمل الحركي والتنظيمي حدثت خلافات وانشقاقات، هي من طبيعة هذه التكوينات الحركية، مما أوجد جيوبا متعددة في بلدٍ واحدٍ، فحدث تمايز كبير في الأساليب جراء التنافس على الأفراد والمكتسبات.

وأشير إلى نظرية مهمة قعد لها محمد أحمد الراشد، وهذه النظرية طبقها محمد سرور وعلَّمها لتلاميذه، وتم تناقلها عبر الأجيال المتعاقبة، وهي الالتفاف حول العلماء كأول خطوة لكسب ثقة المسؤول أيا كان، ثم التركيز الكبير على التغلغل في التعليم، والقضاء، والسلك العسكري.

وهذه النظرية خلقت خطا سلفيا خالط كل مكونات الخطاب الصحوي، قديمه وحديثه، ولهذا التيار انطلق من منطلقات سياسية غلفها بطرح شرعي وفكري، كانت أبرز محدداته:

أولا: الاحتساب، على الحاكم، علانية بهدف إسقاطه.

ثانيًا: الإقصاء بالتكفير وتوابعه.

ثالثًا: إعلاء قضية الخلافة، وإعادة الدولة المسلمة.

وينطلقون في تقرير المسائل الثلاث السابقة وبثها من خلال: تفعيل ما يناسبهم من الأدبيات السلفية، ثم اعتماد المناهج التربوية والثقافية الإخوانية، وشيء من أدبيات الجماعات اليسارية في عمليات التنظيم والحركة، وإعادة تدوير تلك الأدبيات وقولبتها في قالب إسلامي، وهذا يتضح في كتابات محمد أحمد الراشد، وغيره ممن تصدوا للتأليف في الحركة والتنظيم، ثم الاعتماد الكبير على أدبيات سيد قطب وكلاسيكياته، وهضمها ثم إعادة إنتاجها مرة أخرى، وهذا يتضح في كتابات صلاح الصاوي، وفتحي يكن، وغيرهم.

ويمكن تلخيص عباراتهم وشعاراتهم الشهيرة، بأربعة عناصر: فقه الواقع، وحدة الصف لا وحدة الكلمة، الإصلاح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وللحديث عن الخطاب الصحوي بقية.