عاش الإنسان زمناً، ينتهب من خيرات الأرض بلا حساب، كأنها كنوز أبدية لن تنفد، أعطاه الله، سبحانه وتعالى، كل ما يحتاج إليه، أعطاه الأرض والسماء والبحار والغابات والأسماك والحيوانات والطيور والنباتات، جعله خليفة في الأرض، يأخذ منها بمقدار، يعيش في توازن ووفاق مع عناصر الحياة على الأرض، وكذلك مضت الحياة آماداً طويلة، ثم فجأة ارتبك التوازن واختل النظام، وكان الإنسان هو المعتدي، ووصل عدوانه الذروة بعد الحرب العالمية الثانية.

غرّته الاكتشافات العلمية المتلاحقة التي أحرزها، وبدلاً من أن يستغلها في تحسين حياته، أخذ ينتهك حرمة الأشياء واحداً تلو الآخر، ملأ الجو بالسموم والدخان، وصب في البحار النفايات الملوثة من المصانع، دمر مساحات واسعة من الغابات، وهي الغابات التي تمده بالأوكسجين الذي يتنفسه، لوث الإشعاعات الذرية الفتاكة، ولوث الأرض بأسلحة حروبه البشعة، أفسد الحياة ليس فقط على نفسه، ولكن على الأسماك في البحار، والطيور في الجو، والنباتات وكل شيء حي في المروج والغابات.

وأكثر ما حدث هذا الانتهاك، كان من الإنسان الأكثر حظا، من الدول الأكثر تقدماً وثراء، بدأت الطبيعة تستجيب لهذا العدوان، بدأت تحدث ظواهر جديدة، ارتفعت درجة الحرارة، وبدأت الثلوج القطبية التي ظلت جامدة منذ بدء الخليقة، بدأت تذوب، أخذت تحدث فيضانات لم تكن تحدث من قبل، وأحيانا فترات جفاف طويلة، بدأت بعض أنواع الحيوانات والنباتات تنقرض وتظهر أوبئة وأمراض غامضة.


انتبه بعض الناس لهذه التحولات الخطيرة، بعض الدول بدأت تهتم بأمور البيئة، وانعكس هذا الاهتمام على منظمة الأمم المتحدة، نشأت أحزاب تسمى (أحزاب الخضر) انصب اهتمامها على شؤون البيئة، إنما هذا كله لم يرق إلى مستوى خطورة الموقف، في أثناء ذلك ظل العلماء والمهتمون من قادة الرأي، يرفعون أصواتهم منبهين الشعوب إلى خطورة الأمر، وقال بعض العلماء، إن البشرية إذا لم تفعل شيئاً حاسماً لتغيير سلوكها والتعامل باحترام أكثر مع موارد الطبيعة، فإن حياة الإنسان على الأرض لن تستمر أكثر من خمسين عاماً.

هذا، ومن دلائل الاستجابة لهذه الإنذارات، أن الحكومة البريطانية قد أصدرت تقريراً شاملاً أعده اقتصادي مرموق كان إلى وقت قريب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي هو سير نكولاس ستيرن، يقول التقرير، إن على العالم أن يبدأ العمل فوراً بجد، لتلافي أخطار تغير المناخ، وإلا فإنه سوف يواجه نتائج اقتصادية مدمرة، وإن الكربون الذي ينفث في الهواء (من السيارات وغيرها) رفع درجة الحرارة بمقدار درجة سِلسِيَس، وإذا لم يعمل شيئا لإيقاف ذلك، فإنه يوجد احتمال بمقدار 75 في المائة أن معدلات درجة الحرارة في العالم سوف ترتفع بمقدار درجتين إلى ثلاث درجات خلال سنة القادمة، ويوجد احتمال بمقدار 50 % أن درجة الحرارة سوف ترتفع بمقدار خمس درجات سِلسِيَس.

ويضيف التقرير، الثلوج القطبية الذائبة سوف تزيد من خطر الفيضانات، وأن إنتاج المحاصيل الزراعية، خاصة في إفريقيا سوف يهبط، وأن ارتفاع مستوى مياه البحار (التي سوف تغمر مساحات واسعة من الأراضي) سوف يجعل مائتي مليون إنسان، مشردين بلا مأوى بشكل مستديم.

ويضيف التقرير قائلا التغير الحاد للطقس، قد يخفض معدل الإنتاج الاقتصادي بمقدار 1 %، وأن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل ثلاث درجات، قد يجعل الإنتاج الاقتصادي في العالم يهبط بمقدار 3 %.

وفي أسوأ الحالات المنتظرة، سوف يهبط استهلاك الفرد بمقدار 20 %.

ويقدم التقرير هذه الخيارات للتغيير:

-1تخفيض الطلب على السلع التي تسبب تلوثا ملحوظا.

-2جعل إمدادات الطاقة في العالم أكثر فعالية، وتشجيع استعمال مصادر الطاقة النظيفة، على أن يخفض من استعمال البترول ومصادر الوقود المعدنية بمقدار 60 % بنهاية عام 2050.

-3التعاون مع البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية، على إنشاء رصيد من 20 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة لمعالجة نتائج تحولات الطقس.

-4التعاون مع البرازيل و(بابوا نيوقني) وكوستاريكا، لتنمية الغابات ومنع التصحر.

ورغم أن التقرير يخص أساسا الحكومة البريطانية، لكنه يؤكد ضرورة مواجهة خطر تغير المناخ مواجهة جماعية من كل الدول، ولا يخفى أن الولايات المتحدة تقع عليها أكبر المسؤولية في تلوث البيئة، ورغم ذلك رفضت أن توقع على معاهدة كيوتو التي وقعت عليها سائر الدول.

يقول سيرنكولاس ستيرن معد التقرير: «لا نزال نملك الوقت والمعرفة لعمل شيء، ولكن بشرط أن نعمل مجتمعين ونعمل بجد وعزيمة، ونعمل بشكل عاجل».

*2005

* كاتب وروائي سوداني «1929 - 2009»