شكلت‭ ‬فترات‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬ومنع‭ ‬التجول‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريباً‭ ‬بسبب‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬الجديد‭ (‬كوفيد‭-‬19‭) ‬فرصة‭ ‬مثالية‭ ‬لإعادة‭ ‬روايات‭ ‬تناولت‭ ‬الأوبئة‭ ‬إلى‭ ‬الضوء‭ ‬والاهتمام،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬منها‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬بريقها‭ ‬كروايات‭ ‬صنفت‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬عالمية،‭ ‬لكن‭ ‬احتياج‭ ‬القراء‭ ‬لمحاولة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مقاربات‭ ‬بين‭ ‬الوباء‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يجتاح‭ ‬العالم‭ ‬بضراوة،‭ ‬وبين‭ ‬أوبئة‭ ‬مماثلة‭ ‬تركت‭ ‬آثارها‭ ‬عليه،‭ ‬ومحاولة‭ ‬استشراف‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬أحوال‭ ‬الناس‭ ‬خلالها،‭ ‬وكيف‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬تجاوزها،‭ ‬أعادت‭ ‬بريق‭ ‬تلك‭ ‬الروايات،‭ ‬وأعادت‭ ‬قراءتها‭ ‬ومقاربتها‭ ‬ومراجعاتها‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬لعالم‭ ‬يرضخ‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬شبح‭ ‬كورونا‭ ‬الثقيل‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬غريباً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬أرقام‭ ‬مبيعات‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬الأوبئة‭ ‬أو‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬المعتاد،‭ ‬أو‭ ‬السابق‭ ‬لكورونا‭.‬

كما‭ ‬شكلت‭ ‬‮«‬الكرنتينا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تعريب‭ ‬لكلمة‭ ‬‮«‬La Quarantaine‮»‬‭ ‬الأعجمية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬المِحجر‭ ‬الصحي‮»‬،‭ ‬إطاراً‭ ‬مكانياً‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬أطلق‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الروايات،‭ ‬وترك‭ ‬تأثيره‭ ‬الواضح‭ ‬والجلي‭ ‬على‭ ‬روايات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬الذين‭ ‬جعلوا‭ ‬منها‭ ‬منطلقا‭ ‬لنتاجهم،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬جوستاف‭ ‬فلوبير‭ ‬في‭ ‬تصوراته‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬مذكراته‭ ‬كمستشرق‭ ‬استخدم‭ ‬السخرية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هدفه،‭ ‬حيث‭ ‬تناول‭ ‬كرنتينا‭ ‬بيروت‭ ‬التي‭ ‬احتجز‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬تلك‭ ‬التصورات،‭ ‬وكذلك‭ ‬جان‭ ‬مارى‭ ‬لوكليزيو‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬الكرنتينا‮»‬،‭ ‬ومارسيل‭ ‬بروست‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬‮«‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الزّمن‭ ‬المفقود‮»‬،‭ ‬وستيفن‭ ‬كنج‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬ستاند‮»‬،‭ ‬ودين‭ ‬كونتز‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬ووهان‭ ‬44‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬ودار‭ ‬موضوعها‭ ‬الأساس‭ ‬حول‭ ‬حصار‭ ‬مدينة‭ ‬هوجمت‭ ‬بفيروس‭. ‬



نداءات‭ ‬للكتابة

في‭ ‬خضم‭ ‬المنع‭ ‬والحجر،‭ ‬أطلقت‭ ‬عدة‭ ‬دعوات‭ ‬للكتابة‭ ‬عن‭ ‬الوباء‭ ‬وتبعاته‭ ‬أو‭ ‬تناوله‭ ‬سردياً،‭ ‬كما‭ ‬أطلقت‭ ‬مسابقات‭ ‬للأعمال‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬موضوعاً‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬خلفية‭ ‬لأحداثها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬رأى‭ ‬بعض‭ ‬الروائيين‭ ‬فيه‭ ‬استعجالا‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬أوجها،‭ ‬ولم‭ ‬تُتح‭ ‬الفرصة‭ ‬بعد‭ ‬لتأملها‭ ‬والتفكير‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬رأى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬الأوبئة‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الحروب‭ ‬أو‭ ‬الكوارث‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الإحاطة‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬جوانبها،‭ ‬رافضين‭ ‬تصنيف‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬الأوبئة‭ ‬تحت‭ ‬خانة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬الأوبئة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬الجوائح‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الآداب‭ ‬في‭ ‬الجوائح‮»‬،‭ ‬مؤكدين‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬هو‭ ‬الأدب،‭ ‬وأن‭ ‬ثيمته‭ ‬تبقى‭ ‬إنسانية‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬موضوعه‭.‬

الطاعون

تصدرت‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الطاعون‮»‬‭ ‬لألبير‭ ‬كامو‭ ‬الفائز‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬اهتمامات‭ ‬القراء،‭ ‬وكأنهم‭ ‬أعادوا‭ ‬اكتشافها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيدـ‭- ‬19‭) ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬صدرت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1947،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬عاماً،‭ ‬وقد‭ ‬بادرت‭ ‬دار‭ ‬‮«‬بنجوين‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬طباعتها‭ ‬نظراً‭ ‬للإقبال‭ ‬الشديد‭ ‬عليها،‭ ‬وهي‭ ‬تعد‭ ‬إحدى‭ ‬الكلاسيكيات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬وهران‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ورسمت‭ ‬مشاهد‭ ‬بالغة‭ ‬السواد‭ ‬لانتشار‭ ‬وباء‭ ‬الطاعون‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬خضعت‭ ‬لحجر‭ ‬صحي‭ ‬عام‭ ‬منع‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭. ‬ ولعل‭ ‬خلود‭ ‬‮«‬الطاعون‮»‬‭ ‬ينبع‭ ‬أدبياً‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬مؤلفها‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬قراءات‭ ‬مفتوحة‭ ‬ومجازية‭ ‬تتناول‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬فالطاعون‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬وباء‭ ‬مرضياً،‭ ‬وإنما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ثقافة‭ ‬منحطة،‭ ‬وخزعبلات‭ ‬وأفكارا‭ ‬وتحزبات‭ ‬سياسية‭ ‬متوحشة‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬غيرها‭.‬

حالة‭ ‬هلع

يشير‭ ‬الروائي‭ ‬السعودي‭ ‬طاهر‭ ‬الزهراني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأوبئة‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يحضرني‭ ‬الآن‭ ‬بقوة‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬إيبولا‮»‬‭ ‬لأمير‭ ‬تاج‭ ‬السر،‭ ‬وهي‭ ‬رواية‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬عامل‭ ‬النسيج‭ ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬الفيروس‭ ‬اللعين‭ ‬في‭ ‬الكونغو‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نهش‭ ‬الموت‭ ‬عنق‭ ‬حبيبته،‭ ‬فينتشر‭ ‬الوباء‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬المكان‭.. ‬ينتشر‭ ‬بشكل‭ ‬محموم‭ ‬في‭ ‬البشر‭.. ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬يتجلى‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬الموت‭ ‬والحياة،‭ ‬الصحة‭ ‬والمرض،‭ ‬السواد‭ ‬المستطير‭ ‬والبياض‭ ‬الضئيل‭ ‬المنهك،‭ ‬ضحك‭ ‬المبتلى‭ ‬المرسوم‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬البائسين،‭ ‬ثم‭ ‬تحضر‭ ‬الفلسفة‭ ‬متدثرة‭ ‬ببراعة،‭ ‬إدراج‭ ‬للرؤى‭ ‬والقناعات‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬النص‭ ‬دون‭ ‬ارتباك،‭ ‬الكوميديا‭ ‬السوداء‭ ‬تجعلك‭ ‬تبتسم‭ ‬وتضحك‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬إخلال‭ ‬أو‭ ‬نشاز‮»‬‭.‬ ويرى‭ ‬الزهراني‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬حالة‭ ‬إنسانية،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬لأن‭ ‬الأوبئة‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ‬وتلعب‭ ‬دورا‭ ‬مفصليا‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬البشرية،‭ ‬وفق‭ ‬سنن‭ ‬كونية‭ ‬حاضرة‭ ‬تظهر‭ ‬وتغيب،‭ ‬فإن‭ ‬الأدب‭ ‬حالة‭ ‬إنسانية،‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬فإن‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬تجاه‭ ‬الموت‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬البانورامي‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬واحدة،‭ ‬حالة‭ ‬الهلع‭ ‬الإنساني‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬لهذا‭ ‬يكرس‭ ‬الأدب‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بطريقة‭ ‬وبتناول‭ ‬لا‭ ‬يبهت،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬إذا‭ ‬أجاد‭ ‬الكاتب‭ ‬التناول‮»‬‭.‬

ويميل‭ ‬الزهراني‭ ‬إلى‭ ‬التأني‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬عند‭ ‬تناول‭ ‬وباء‭ ‬مثل‭ ‬كورونا‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬له‭ ‬آثاره‭ ‬وتفاعلاته‭ ‬وأشكاله‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الوباء‭ ‬هو‭ ‬المحرك‭ ‬الأساس‭ ‬للحدث‭ ‬الروائي،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬في‭ ‬ظني‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬محرك‭ ‬الحدث‭ ‬الأساس،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التأني‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الوباء‭ ‬مجرد‭ ‬ثيمة،‭ ‬فقد‭ ‬يجيد‭ ‬الكاتب‭ ‬تناوله‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬اهتمامه‭ ‬قد‭ ‬ينصب‭ ‬عن‭ ‬حدث‭ ‬ما،‭ ‬ويبقى‭ ‬الوباء‭ ‬مجرد‭ ‬ثيمة‭ ‬لا‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬العمل،‭ ‬بحيث‭ ‬قد‭ ‬يكتب‭ ‬أحدهم‭ ‬رواية‭ ‬حب‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الوباء‭ ‬وتنتهي‭ ‬أثناء‭ ‬الوباء،‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للوباء‭ ‬وقت‭ ‬محدد،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الوباء‭ ‬مجرد‭ ‬أثر‭ ‬حدث‭ ‬ضمن‭ ‬أحداث،‭ ‬لهذا‭ ‬أرى‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬توظيف‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ظرف،‭ ‬ويبقى‭ ‬التناول‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقرر‭ ‬نجاح‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬عدمه‮»‬‭.‬ وعن‭ ‬أهمية‭ ‬المكان‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعمل‭ ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬يتناول‭ ‬الوباء،‭ ‬يقول‭ ‬الزهراني‭ ‬‮«‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬حضوره‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬عاملا‭ ‬حيويا‭ ‬أمام‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬شغل‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬الأوبئة‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬جمالية‭ ‬ما‭ ‬فهي‭ ‬شعور‭ ‬الناس‭ ‬تجاه‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬بقعة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬الغرب‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بها‭ ‬شقاء‭ ‬العالم،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬سعادته،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬الكوني‭ ‬تجاه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬إنساني‭ ‬نبيل،‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬قد‭ ‬يكتب‭ ‬الكاتب‭ ‬عن‭ ‬بقعة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ويتشارك‭ ‬معه‭ ‬إنسان‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الهم‭ ‬والحس‭ ‬والمصير‮»‬‭.‬

معارضة‭ ‬للمصطلح

يعارض‭ ‬الروائي‭ ‬السوداني‭ ‬عماد‭ ‬البليك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬إطلاق‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬الأوبئة‮»‬‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬الأوبئة‭ ‬أو‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها،‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬هو‭ ‬الأدب،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬أميل‭ ‬لتعبير‭ ‬أدب‭ ‬الأوبئة،‭ ‬فالأدب‭ ‬هو‭ ‬الأدب،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تكتب‭ ‬فيه‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬القصة‭ ‬أو‭ ‬النص‭ ‬المعين،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬تجاوزنا‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬أو‭ ‬التقسيمات‭ ‬الضيقة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ثيمة‭ ‬الأدب‭ ‬أساسا‭ ‬إنسانية‭ ‬إذا‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالوباء‭ ‬أو‭ ‬الجراح‭ ‬أو‭ ‬الألم‭ ‬البشري‭ ‬عامة‮»‬‭.‬ كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أعمالاً‭ ‬روائية‭ ‬تؤرخ‭ ‬للأوبئة،‭ ‬ويضيف‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬روايات‭ ‬بالوصف‭ ‬الكبير‭ ‬تؤرخ‭ ‬لأوبئة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬ذكرها،‭ ‬وفي‭ ‬قضية‭ ‬التاريخ‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أعمالا‭ ‬ذات‭ ‬وضعية‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬الأوبئة‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الحروب،‭ ‬أو‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المصائب‭ ‬والمعتركات‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الكوكب،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬احتواء‭ ‬قصتها‭ ‬الكاملة‭ ‬أو‭ ‬تأريخها‮»‬‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬إبداعية‭ ‬تطرقت‭ ‬للأوبئة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬تطرقت‭ ‬للأمر،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الطاعون‮»‬‭ ‬لألبير‭ ‬كامو‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا‮»‬‭ ‬لجابرييل‭ ‬جارسيا‭ ‬ماركيز،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬العمى‮»‬‭ ‬لجوزيه‭ ‬ساراماجو،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النصوص‭ ‬المقدسة‭ ‬أيضا‭ ‬أتت‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ففي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ذكر‭ ‬للقمل‭ ‬والجراد‭ ‬والضفادع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مسببات‭ ‬الأوبئة،‭ ‬لكن‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬قصة‭ ‬وحده‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سردية‭ ‬ما‭ ‬وراءه‭ ‬أو‭ ‬الحكايات‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬رائع‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬العمى‮»‬‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬افتراضية‭ ‬أو‭ ‬تخييلية‭ ‬لما‭ ‬لم‭ ‬يحدث،‭ ‬بعكس‭ ‬روايات‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الأبعاد‭ ‬الواقعية‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬الحادثة‮»‬‭.‬ وحول‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬لكتابة‭ ‬أعمال‭ ‬روائية‭ ‬أو‭ ‬سردية‭ ‬تتناول‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬يتفشى‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬بالنسبة‭ ‬للتعاطي‭ ‬مع‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬أدبيا،‭ ‬ثمة‭ ‬رأيان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬الأول‭ ‬يرى‭ ‬إمكانية‭ ‬ذلك،‭ ‬والثاني‭ ‬يرى‭ ‬العكس،‭ ‬وكلاهما‭ ‬صحيح،‭ ‬والمسألة‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬ورؤيته‭ ‬وتجربته،‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬لأن‭ ‬يقوله‭ ‬لنا‭.. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬نؤرخ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السرد،‭ ‬بل‭ ‬نحكي‭ ‬ذواتنا‭ ‬والانطباعات‭ ‬والمعاني‭ ‬التي‭ ‬نعيشها،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لكورونا‭ ‬فالطرق‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬اليوميات‭ ‬إلى‭ ‬الآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الكوكب‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حيز‭ ‬معين‭ ‬منه،‭ ‬إلى‭ ‬تجارب‭ ‬بشرية‭ ‬لحالها‭ ‬إلخ‭.. ‬لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬احتواء‭ ‬التصورات‭ ‬قطعا‭ ‬ليس‭ ‬سهلاً‮»‬‭.‬

الرواية‭ ‬ابنة‭ ‬الواقع

مع‭ ‬ترداد‭ ‬الروائيين‭ ‬والقراء‭ ‬لروايات‭ ‬تناولت‭ ‬الأوبئة،‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬معظمهما‭ ‬روايات‭ ‬غير‭ ‬عربية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسره‭ ‬الروائي‭ ‬ومترجم‭ ‬الأدب،‭ ‬العراقي‭ ‬عمار‭ ‬الثويني،‭ ‬بقوله‭ ‬‮«‬قليلة‭ ‬هي‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الأوبئة،‭ ‬فالرواية‭ ‬ابنة‭ ‬الواقع،‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬أوبئة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬قصير‭ ‬مقارنة‭ ‬بالرواية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تحيط‭ ‬بكل‭ ‬المواضيع‮»‬‭.‬ وحول‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬يربط‭ ‬عوالم‭ ‬الرواية‭ ‬بجغرافية‭ ‬مكانها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تركيزه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬خلو‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬الأوبئة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭ ‬أثر‭ ‬وانعكس‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬العزوف‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬الأوبئة،‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا،‭ ‬فالمكان‭ ‬ليس‭ ‬ضروريا‭ ‬لتناول‭ ‬موضوع‭ ‬ما،‭ ‬وشخصيا‭ ‬أفضل‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الأماكن‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬خيال‭ ‬الكاتب‭ ‬مع‭ ‬كونها‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الواقع،‭ ‬لكني‭ ‬قصدت‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الأوبئة‭ ‬عن‭ ‬المنطقة‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬تناولها‭ ‬أمراً‭ ‬نادراً‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‮»‬‭.‬

ويميل‭ ‬الثويني‭ ‬إلى‭ ‬ترجيح‭ ‬تفضيل‭ ‬عدم‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬تتناول‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬لأن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذا‭ ‬الوباء‭ ‬لم‭ ‬تحسم‭ ‬بعد،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أميل‭ ‬لكتابة‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أتناول‭ ‬كورونا‭ ‬سرديا‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية،‭ ‬فالرواية‭ ‬عمل‭ ‬متكامل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬ليختمر،‭ ‬وإلى‭ ‬تأمل‭ ‬للموضوع‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬جوانب‮»‬‭. ‬ ويبرر‭ ‬الثويني‭ ‬شهرة‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬الطاعون‮»‬‭ ‬و»الحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬والإجماع‭ ‬على‭ ‬أنهما‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الأوبئة،‭ ‬قائلا‭ ‬‮«‬هما‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬لشهرة‭ ‬مؤلفيهما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كونهما‭ ‬من‭ ‬المتوجين‭ ‬بجوائز‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‮»‬‭.‬

تشويش‭ ‬الأزمة

يخالف‭ ‬الناقد‭ ‬المصري،‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬مصطفى‭ ‬عيد‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬وقال‭ ‬‮«‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬وقت‭ ‬الأزمة‭ ‬فيها‭ ‬تشويش‭ ‬لعدم‭ ‬اكتمال‭ ‬التجربة،‭ ‬فمثلا‭ ‬لا‭ ‬نقيّم‭ ‬الثورات‭ ‬والأوبئة‭ ‬والحروب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬اكتمال‭ ‬الموجة،‭ ‬فالثورات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مثلاً‭ ‬أخذت‭ ‬موجات‭ ‬كثيرة‭ ‬بعضها‭ ‬انتصار‭ ‬واعتزاز‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬شارك‭ ‬ووعي‭ ‬جمعي‭ ‬فخور‭ ‬بالثوار،‭ ‬وبعضها‭ ‬فيه‭ ‬التفاف‭ ‬وطعن‭ ‬وحبس‭ ‬وتحميل‭ ‬وقت‭ ‬الثورة‭ ‬كل‭ ‬النكبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأمنية،‭ ‬وربما‭ ‬تأتي‭ ‬موجة‭ ‬ثانية‭ ‬للانتصار‭ ‬والتصحيح،‭ ‬فأي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬كراوٍ‭ ‬ستضمنها‭ ‬روايتك؟‮»‬‭.‬ ويضيف‭ ‬‮«‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬أي‭ ‬أزمة‭ ‬كبيرة‭ ‬مثل‭ ‬وباء‭ ‬أو‭ ‬ثورة‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬خلال‭ ‬حدوثها،‭ ‬وقبل‭ ‬نضج‭ ‬واكتمال‭ ‬التجربة‭ ‬سيكون‭ ‬قاصر‭ ‬النظر،‭ ‬غير‭ ‬مكتمل‭ ‬الزوايا‮»‬‭.‬ لكن‭ ‬عيد‭ ‬لا‭ ‬يغلق‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الروائي‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬كورونا‭ ‬كموضوع‭ ‬لعمله،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬الكاتب‭ ‬المحترف‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يرصد‭ ‬كورونا،‭ ‬لكن‭ ‬شرط‭ ‬عدم‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬فرضيات‭ ‬يلغيها‭ ‬اكتمال‭ ‬التجربة‮»‬،‭ ‬مدللا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬رواية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬العمى‮»‬‭ ‬لساراماجو‭ ‬حققت‭ ‬النجاح‭ ‬لرمزيتها،‭ ‬وعدم‭ ‬تناول‭ ‬حدث‭ ‬واقعي،‭ ‬حيث‭ ‬اتكأت‭ ‬على‭ ‬فرضية‭ ‬وباء‭ ‬لتعالج‭ ‬أمورا‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسيكولوجية‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‮»‬‭.‬ ولا‭ ‬يرى‭ ‬عيد‭ ‬بأساً‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬الفضاء‭ ‬المكاني‭ ‬للعمل‭ ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬يتناول‭ ‬الوباء،‭ ‬لكنه‭ ‬يشترط‭ ‬لذلك،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬التحديد‭ ‬المكاني‭ ‬ممكن‭ ‬طبعاً،‭ ‬شرط‭ ‬ألا‭ ‬نغفل‭ ‬عالمية‭ ‬الوباء،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عالمية‭ ‬الأماكن،‭ ‬وهنا‭ ‬تلعب‭ ‬احترافية‭ ‬الروائي‭ ‬دوراً‭ ‬مؤثراً‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

الاستعجال‭ ‬لا‭ ‬يخلف‭ ‬النضوج

يذهب‭ ‬الروائي‭ ‬والناقد‭ ‬المصري‭ ‬مختار‭ ‬أمين‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الاستعجال‭ ‬الشديد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تناول‭ ‬وباء‭ ‬حديث‭ ‬مثل‭ ‬كورونا‭ ‬بعمل‭ ‬روائي،‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الأدبي‭ ‬أمر‭ ‬فيه‭ ‬استعجال،‭ ‬لأن‭ ‬دور‭ ‬الأديب‭ ‬يأتي‭ ‬متأخراً‭ ‬بعد‭ ‬جمع‭ ‬شمل‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬الكارثة،‭ ‬وذلك‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬أمينا‭ ‬وصادقا‭ ‬فيما‭ ‬يكتبه‮»‬‭.‬ ويرى‭ ‬مختار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬مجرد‭ ‬رأي‭ ‬شخصي‭ ‬خاص‭ ‬به،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬تعميمه،‭ ‬ويضيف‭ ‬‮«‬التأريخ‭ ‬للأحداث‭ ‬الجسام‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬بشكل‭ ‬جمعي،‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التأني‭ ‬للم‭ ‬شمل‭ ‬أطراف‭ ‬الكارثة‭ ‬أو‭ ‬الحادثة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جوانبها،‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬عنها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬أدبياً‭ ‬نتيجة‭ ‬استقراء‭ ‬علمي‭ ‬حقيقي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الواقع،‭ ‬مدعم‭ ‬بالإحصاءات‭ ‬الصحيحة‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬أصيب،‭ ‬وطرق‭ ‬البحث‭ ‬الطبي‭ ‬والمساعي‭ ‬التي‭ ‬بذلك‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬شكلته‭ ‬الجائحة‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬الإنسان‮»‬‭.‬ ويرى‭ ‬مختار‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الأوبئة‭ ‬ألمت‭ ‬بجوانب‭ ‬هذه‭ ‬الأوبئة‭ ‬فجاءت‭ ‬ناضجة،‭ ‬وحتى‭ ‬تلك‭ ‬المتخيلة‭ ‬منها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تشكلت‭ ‬نتيجة‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬درست‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬جوانبه،‭ ‬مستشهداً‭ ‬بروايات‭ ‬مهمة‭ ‬كان‭ ‬موضوعها‭ ‬الوباء‭ ‬أو‭ ‬الأمراض‭ ‬المعدية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تحتفظ‭ ‬بحضورها‭ ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الخالدة‭ ‬والمهمة،‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الطاعون‮»‬‭ ‬لألبير‭ ‬كامو،‭ ‬و»الحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا‮»‬‭ ‬لجابرييل‭ ‬جارسيا‭ ‬ماركيز،‭ ‬و»العمى‮»‬‭ ‬لجوزيه‭ ‬ساراماجو‭.‬