منذ نحو عشر سنين ونيّف لم أزر منطقة الباحة، وقد سنحت لي الفرصة هذه السنة بنيل شرف العودة لزيارة تلك القطعة العزيزة من وطننا العزيز.

إنها المدينة الحالمة المتبخترة بجمالها، القائمة الشامخة بجبالها، العائمة السابحة بسحابها، الأنيقة الوديعة الخجولة كما العذراء في الخدر من شدة حيائها وقد توشحت ببياض الضباب وتغطت بمفاتن الغيوم وتمخطرت بروائح الورود وتباهت برؤوس الرجال، حتى وددت لو أني شاعر فأتغزل بها وجمالها ورياضها ومطرها ورذاذها وسحابها وجبالها، وقد تسامت شموخاً وازدانت تألقاً وتلألأت قمراً، وقد قاد عنفوانها من مهدها حتى مجدها أهلها كريمو السجايا سخيو العطايا، أهل الكرم والجود والشجاعة والتاريخ العريق، وقد جعلوا شعارهم "مرحباً هيل عد السيل" وهم أهل لذلك قولا وفعلا فقد رأيت فيهم طيب الفعل وسمعت أحسن الكلم حين مكوثي وأسرتي هناك عدة أيام، وقد أبهرني جوها العليل الذي لا أبالغ لو قلت إنه من أجمل الأجواء التي يمكن أن تراها وتأنس بها.

ولي الشرف أن قيّض الله لي من أهلها الأصدقاء الأعزاء والزملاء الأوفياء ما يجعلني أفخر بهم وأسعد، وحين ذاك تذكرت قول أحد المبدعين من مصر العزيزة وقد عاش في الباحة سنين مديدة حينما قال لو لم أكن مصرياً لوددت أني من أهل الباحة، فما أجمل الباحة المكان وما أروع الباحة الإنسان.


واسمحوا لي بأربع عبارات يغص بها حلقي وأود البوح بها:

الأولى: شكراً أهل الباحة على رقيكم وشهامتكم وكرمكم وذوقكم الرفيع وليس هذا بغريب عليكم.

الثانية: أين وزارة السياحة الحاضرة الغائبة عن هذا الجمال الرباني (طبيعة ومطر وضباب وهواء وبراد وفواكه محلية) وقد وهبه الله لمنطقة الباحة وبعض مناطقنا السياحية الأخرى ليبقى دوركم البشري في إكمال مقومات السياحة وصناعتها بأعلى المواصفات والمعايير بالتضامن مع الجهات المعنية الأخرى.

الثالثة: أين وزارة الإعلام ودورها الفاعل في التوعية والإعلان عن السياحة المحلية وأماكنها وأهميتها.

الرابعة: إلى من ينشدون سياحة الاعتدال في الجو العليل والأسعار المعقولة والناس الخيرين والأمن والأمان نقول (سياحتنا الداخلية مطلب وهدف فعلينا تفعيلها وتفضيلها وتشجيعها).

أخيراً وليس بآخر حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ومتعه بالصحة والعافية، ووفق ولي عهده الأمين وحكومتهما الرشيدة، وطبت يا وطني دائماً شامخاً متألقاً، وبوركت أيها الشعب السعودي النبيل، وإلى محطة أخرى من محطات بلادنا الحبيبة، والسلام.