من هذه الأمور المرغب فيها، في القادم من الأيام، وتحديدا ليلة الوقوف بعرفة، لغير الحاج، ما سماه العلماء (التعريف عشية عرفة بالأمصار)، وهي مسألة يكثر الكلام حولها، وملخصها أن يتشبه غير الواقفين بعرفة بالواقفين، وذلك بجلوسهم عشية عرفة بعد العصر إلى الغروب، للدعاء، وذكر الله تعالى، واللجوء والتضرع إليه، دون طريقة مخصوصة، أو هيئة معينة.. أهل الفقه مختلفون في (التعريف بغير عرفة) على أقسام، فقسم ذهب إلى أن هذا الفعل مكروه، ومثَّل هذا الرأي بعض السادة الأحناف والمالكية وغيرهم، وبعضهم اعتبره بدعة، وضلل الفعل، وقسم رخص فيه وأجازه، ومثلهم في هذا الرأي بعض الشافعية، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل، لما سئل عن التعريف في الأمصار؛ يجتمعون في المساجد يوم عرفة، قال: «أرجو أن لا يكون به بأس، قد فعله غير واحد»، والنص ذكره الشيخ ابن قدامة، في كتاب (المغني 2/269)، أحد أهم مراجع مذهب الأمام أحمد، وقال الشيخ ابن تيمية، في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، صفحة 286): «فعله ابن عباس وعمرو بن حريث من الصحابة، وطائفة من البصريين والمدنيين، ورخص فيه أحمد، وإن كان مع ذلك لا يستحبه..»، وقسم قال باستحباب التعريف عشية عرفة، وذكر ذلك الشيخ ابن مفلح الحنبلي صاحب كتاب (الفروع وتصحيح الفروع 3/ 216)، عن (الإمام أحمد) قال: «يستحب، وأنه قيل له: يكثر الناس، قال: وإن كثروا»، وذكر الشرواني في كتاب (حواشي تحفة المنهاج بشرح المنهاج 4/ 108) عن الإمام الونائي من الشافعية: «لا كراهية في التعريف بغير عرفة، بل هو بدعة حسنة»..
لا أريد أن أطيل، فالمقال ليس بحثا في الموضوع بتفاصيله، وما قصدته هو تغانم يوم عرفة، وخصوصا في هذه السنة العجيبة، التي يغيب فيه الناس عن الحج المعتاد، وغاية ما ينبغي قوله في المسألة، أن من يريد ممارسة حقه في (التعريف عشية عرفة بالأمصار)، الخميس القادم، بالتضرع إلى ربه، الذي لا شريك له في النفع والضر، والمنع والعطاء، ويقلد الإمام ابن حنبل وغيره، له ذلك، ومن يريد عدم الفعل أيضا له ذلك؛ فالمسألة كما قد اتضح للجميع فيها سعة، والله عز وجل أكرم من أن يرد من سأله، أو قام بالتشبه بمن أحبه من خلقه، فعن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال، فيما رواه الإمام أبو داوود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».