إن الشعور بالنقص يستولي على الإنسان لنقص يشعر به بأي ناحية من نواحي حياته الشخصية فيحاول بسلوكه أن يظهر بمظهر السليم من هذا النقص الذي يشعر به، وفي حقيقة الأمر ذلك الشعور جالس في أعماق نفسه، وقد لا يستطيع أن يدركه ولو سألته عنه لأجابك بالنفي.
لو دققنا النظر لوجدنا آلاف التصرفات تصدر من الإنسان بلا وعي بسبب هذا الشعور السيئ، تجد الرجل يظهر قوته بصورة ملحوظة ومفرطة على أهل بيته لأنه يشعر بأن هنالك شيئا يمس هيبته في البيت، أو مديرا تظاهر بالحزم على مرؤوسيه خشية ألا يقفوا يوماً ما بين يديه دون أن يوقروه أو يقولوا له سم طال عمرك.
كل شعور بالنقص يستلزم من صاحبه سلوكا خاصا يغطي به نقصه، إما أن يظهر بمظهر الرجل الكامل أو الرجل الثري أو الرجل المثقف العالم أو الرجل ذي الحسب وغيرها، وغاية الأمر أن الشعور بالنقص قد يكون واضحا يمكن الوقوف عليه بسهولة، وقد يكون عميقا اختفى في اللاوعي يحتاج إلى تحليل طويل ليمكن العثور عليه.
إن هذا الشعور كثيرا ما يخفيه صاحبه، فهو كذلك كثيرا ما يعالج خطأ، ولو عرف الداء لعرف الدواء، وكل التظاهر بالتغطية ليس علاجا صحيحا، فمن عالج نقصه بالغضب أو الإسراف أو غيرها مما يعد غطاء لما يشعر به من نقص لا يعد علاجا، علماً أن ليس كل شعور بالنقص عيبا مذموما، بل أحيانا يكون فضيلة، فالناس إنما طلبوا العلم وتبحروا فيه لشعورهم بنقصهم، والأثرياء الذين كسروا دائرة الفقر وحققوا ثروات كبيرة إنما دفعهم ذلك شعورهم بالنقص، والرجل الذي حقق وجاهة اجتماعية من لا شيء كان يستند عليه أو يملكه كان ذلك دافعه النقص، والذي يشعر بنقصه ثم يستكمله يكون الشعور منه بالنقص فضيلة، إنما الرذيلة أن يشعر بالنقص ويعالجه علاجا خطأ فيغطي النقص بالتظاهر بضده وكل تظاهر لا يقلل من النقص شيئا بل يزيده تأصلا ومرضا يلاحظه الآخرون على سلوكه ويصبح سبب مقت الناس له.