لا توجد في الحياة عدة حقائق مختلفة بخصوص أن يكون الإنسان في طريق الكمال، لأن الحقيقة هي واحدة ومتشابهة في كل الأوقات وفي كل الأمكنة، وفي بحث الإنسان المستمر عن تفسير معاني كل ما يحدث له في الحياة فإنه إما يستمر في الاستسلام لعدم الحصول على إجابة وإما أن يجد فعلا كل ما يفسر له تساؤلاته الوجودية التي تنير له الطريق وتفسر معنى "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، وذلك عبر رحلة حياته على الأرض. إن في هذه الآية القرآنية تأملا لذلك القدر الهائل من الألم والمعاناة التي ستنال البشر ويقف المرء حيالها حائرا متأملا مرة ومستسلما مرة ومقاوما مرات كثيرة. في كل مرجعياتنا هناك فكرة المعاناة فقط ومن النادر أن نجد الطريقة التي تدلنا على وقف المعاناة أو الدوكها.

في رحلة الاستنارة التي بدأها بوذا بنفسه لفهم حقيقة المعاناة التي يعيشها البشر على هذه الأرض توصل إلى حقيقة "دوكها" والدوكها تعني (العذاب والألم) وكيف يجد الإنسان الدرب الذي يخرجه منها ففي مفهوم الدوكها.. الحياة عذاب، والشيخوخة عذاب، والمرض عذاب، والموت عذاب. العيش مع من لا نحبّ عذاب، الانفصال عما نحب عذاب. عدم امتلاك شيء نرغب فيه عذاب. وبمختصر الكلام، ما نتعلق به هو عذاب. وهي التي تنطلق من فكرة حقيقة المُعاناة: وهي أن الحياة الإنسانية في أساسها معاناة متواصلة، منذ لحظات الولادة الأولى وحتى الممات، وأن حقيقة أصل هذه المعاناة الإنسانية هي في الانسياق وراء الرغبات والاستماتة في تلبيتها والحصول عليها، حيث لا يعلم البشر أن الانسياق وراء هذه الرغبات يجعل دائرة الألم تستمر وتولد جذور الشر في الإنسان مثل الحقد والجشع، ومنها تنشأ كل أنواع الرذائل والأفكار الخاطئة ولكل هذا يستمر البشر في المعاناة.

إن منشأ هذه المعاناة الحتمية يرجع إلى الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا للحصول على أشياء خاصة لنا أننا نرغب دائما في شيء ما مثل: السعادة أو الأمان أو القوة أو الجمال أو الثراء.. أي إن سبب الشقاء وعدم السعادة هو الأنانية الإنسانية والتعلق.

وفي تعريف الدوكها والتنبه لحدوثها في حياتنا عرف بوذا مفهوم الحقائق الأربعة النبيلة للتخلص من أصل المعاناة، ويتحقق وقف المعاناة عن طريق فهمها والتنبه لها في حياتنا ومن ثم إيجاد طريق للخلاص وكبح التعلق بالأشياء المادية التي تشغل كل البشر.. فعلى الرغم من استمرار المعاناة لا يتوقف الناس ليجدوا طريقا لوقف المعاناة، والتي تكمن في أن الإنسان يريد دومًا أن يلتصق بالأشياء. وهذا ما يجعله سجينًا.

وتخلص فكرة الفضائل الأربع النبيلة التي تحدث عنها بوذا إلى الإدراك السليم للحقائق الأربع بالتفكير السليم الخالي من كل نزعة هوى أو جموح أو أنانية اضطراب في الأماني والأحلام، الفعل السليم الذي يسلكه الإنسان في سبيل حياة مستقيمة سائرة على مقتضى السلوك والعلم والحق، الكلام السليم أي قول الصدق بدون زور أو بهتان، المعيشة السليمة القائمة والمتطابقة مع السلوك القويم وهي حقيقة الطريق الذي يؤدي إلى إيقاف المعاناة ويتألف من هذه المراحل.