حملت الأيام الثلاثة الماضية تطورات دراماتيكية سريعة في ليبيا، قفزت بالثوار إلى قلب طرابلس، آخر معاقل معمر القذافي في وجه طوفان الثورة الذي بدأت زخاته قبل نحو ستة أشهر من سماء المدينة الثائرة عبر التاريخ "بنغازي".
سقوط معمر القذافي صاحب السؤال الشهير "من أنتم؟!"، له معان كبيرة تخص الداخل الليبي من جهة، وتتمثل في أن ثورة الشعب وإن طالت فإن مصيرها النجاح في الوصول إلى هدفها الأول وهو إسقاط النظام، ومن ثم الشروع في مرحلة ما بعد ذلك، وهي مرحلة لا تقل أهمية على الإطلاق عن المرحلة الأولى.
ومن جهة أخرى، فإن لسقوط نظام معمر، معاني أكبر تتعلق بخارج ليبيا وتحديدا في سورية التي لم يبتعد سيناريو ثورة شعبها كثيرا عما جرى في ليبيا.. انتفض الشعب الليبي بداية من بنغازي وانتفض الشعب السوري من درعا.. امتدت الانتفاضة الليبية غربا مرورا بإجدابيا والبريقة وسرت فمصراتة والجبل الغربي وصولا إلى الزاوية ثم العاصمة طرابلس. وفي سورية امتدت انتفاضة الشعب في كل الاتجاهات شرقا في دير الزور والرقة، وغربا في اللاذقية وطرطوس، وشمالا في إدلب وحمص وحماة، وها هي اليوم تجتاح أحياء عدة من دمشق العاصمة.. كتائب معمر قتلت النساء والأطفال والشيوخ واعتقلت الآلاف، وقوات الأمن والجيش السوري فعلت ذلك أيضا. وعليه فإن سقوط معمر القذافي يعني أن نظام الأسد سيسقط سريعا أيضا، بسبب انهيار داخلي في الجيش، إذ إن تجربة كتائب القذافي كانت بمثابة "كاتالوج"، للجيش السوري والوحدات الأمنية التي تقمع الشعب ليل نهار، بهدف إسكات صوته المشروع ومطالبه بالإصلاح والتغيير والحرية، وليس أدل على أن النظام السوري كان يسير على خطى نظام القذافي من إعراضه عن الأخذ بالنصائح التي قدمت له، وعلى رأسها الخطاب التاريخي لخادم الحرمين الشريفين، فالنظام السوري يرى أن طريقة القذافي هي الطريقة المثلى في التعامل مع الموقف، إلا أن اليوم يثبت للنظام السوري وللسوريين أكثر من أي وقت مضى أن التغيير آت لا محالة، وأن أية محاولة للإصلاح الآن لن تكون إلا كهشيم تذروه الرياح، ففي المقابل يمثل سقوط القذافي للسوريين الثائرين دفعة قوية للاستمرار في انتفاضتهم، والإصرار على مطالبتهم النظام بالرحيل، لأن آلة القتل في ليبيا كانت أكثر وطأة، ومع ذلك انتصر الشعب، ولم تروعهم المجازر التي ارتكبها القذافي بحقهم، وعليه فإن السوريين مهيؤون نفسيا لأن يصمدوا أكثر في وجه آلة القتل الرسمية السورية.
إن ظهور الرئيس الأسد للمرة الرابعة في حوار تلفزيوني البارحة، لن يغير من الأمر شيئا، بل سيقوي شوكة الثورة، نظرا للغة التبريرية التي تحدث بها الرئيس، فكيف الحال والسوريون يشاهدون نظام القذافي يتداعى بنيانه، لتطوى صفحة سوداء من كتاب التاريخ العربي الحديث الحافل باستبداد بعض الأنظمة، واستمرائها لسياساتها القمعية ضد شعوبها، حتى طفح الكيل وخرجت تلك الشعوب إلى الشوارع عارية الصدور، تهتف بـ" إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر".