قفز إلى ذهني وأنا أتجول بين خواطري كما تجول القشة في وسط الريح خاطر معنى كلمة (البركة)، أين ذهبت وكيف تغير طعمها ولونها ولم يعد نتذوق لها حلاوة في كثير المال وقليله.

سَل من شئت من أوساط الناس: ما البركة؟ يُجِبك: إنها الزيادة والنمو وقد تكون هذه الزيادة وذاك النمو أمراً غير محسوس، إنما يكون قناعة في النفس، فترى رجل يتقاضى 15 ألف ريال في الشهر وليس له إلا ولد أو ولدان ومع ذلك مرتبه لا يكفيه ويستدين وتضطرب أوضاعه المالية، ويقول الراتب لا يكفي الحاجة!.

وفي المقابل نرى ونسمع عن رجل يتقاضى 5 آلاف ريال ومعه 4 أولاد أو 5 وهو يعيش عيشة حسنة بمرتبه الضئيل ولا يستدين ولا تضطرب أوضاعه المالية.!


ونرى الرجلين ينزلان الهايبر ماركت وفي يد كل منهما نقودا فأما أحدهما فخرج من بيته وعاد وليس معه شيء وذهبت نقوده في أشياء تافهة لا قيمة لها، وأما الآخر فاشترى أشياء نافعة لنفسه ولبيته وعاد ومعه بقية من نقوده، واستقر في نفسي أنه قد لبى احتياجاته أو بعضها خلال هذا الشهر.

هذه هي الحقيقة حسن التدبير والتصرف في المال، تعالوا ننظر في تصرفنا لأوقاتنا كل الناس يومهم 24 ساعة وشهرهم 30 يوماً وأيام سنتهم متساوية، ومع هذا تجد الفروق بينهم في استخدام الزمن، فهذا تمر عليه الأيام والشهور والسنون ولم يتعلم شيئا ولم ينتج شيئا ولم يتغير فيه أي شيء، بينما الآخر تجده استثمر وقته وطاقته وتعلم وعمل وأنتج كأن أيامه سنون وعمره ألف عام، أحدث فرقاً في حياته في بضعة أيام أو أشهر أو سنين.

إذاً أيها السادة ما هي البركة؟، أعتقد - والله أعلم - أن البركة هي سير الإنسان على قوانين اقتصادية طبيعية معروفة، لأن الاقتصاد له قوانين ثابتة لا تتغير أقلها وببساطة «مد غطائك على قد رجليك».

إن الفقر ليس مشكلة اقتصادية بقدر ما هو مشكلة بكيفية التعامل مع المال من حيث أن تقدم الضروريات على الكماليات، وتوازن بين إيراداتك ونفقاتك في ظروف تمر بها ليست ظروف رخاء عيش وسعة.! فالشخص الذي يكون كذلك لا يعد مبذراً ولا مسرفاً ويسمى إنساناً مقتصداً مشى على قوانين الاقتصاد الثابتة والمعروفة لدى أوساط الناس، وحينئذٍ يكون معنى البركة التوفيق في أن يسير المرء حسب قوانين الاقتصاد.