وعلى الرغم من أن الجيولوجي جين جين لورنس يرى أن ما قيل إنه السفينة ليس سوى تكوين طبيعي حسب دراسة قام بها لعينات من الصخور وبعض الصور الفوتوجرافية للموقع، وهي رؤية شاركه بها كذلك الجيولوجي الأسترالي أيان بلايمر الذي أكد أن الموقع هو تكوين جغرافي طبيعي يعرف بالساينكلاين، إلا أن تركيا ما زالت تستغل الموقع كمزار سياحي مستمرأة ذاك اللغط والتوق اللذين يشغلان الناس بشغف تحديد مكان رسو السفينة، ضاربة عرض الحائط بضرورة الحصول على اعتراف علمي يؤكد أن الموقع هو فعلا الذي رست فيه سفينة نوح.
السفينة في الديانات
سفينة نوح أو فُلْك نوح حسب الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، هي سفينة صنعها نبي الله نوح، وحمل عليها المؤمنين وزوجين من كل من الحيوانات والكائنات الحية ليحميهم من الطوفان العظيم بعدما كثر شر الناس.
وفي القرآن بينت الآية (40) من سورة هود أنها سفينة صنعها نوح بوحي الله، وأمره فيها بأن يحمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات زوجين، ويحمل فيها أهل بيته إلا من سبق عليهم القول ممن لم يؤمن بالله كابنه وامرأته، ويحمل فيها من آمن معه من قومه، ليهلك جميع من تبقى من المفسدين من قومه الذين كذبوا رسالته بطوفان عظيم.
وفي التوراة، يأمر الله نوحا أن يدخل الفلك ومن معه، لأن الرب قرر إغراق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام بمطر يسقط عليها 40 يوماً و40 ليلة، وأوى نوح إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان 40 يوماً على الأرض، وارتفع الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل من يدب على الأرض من الناس والطيور والبهائم والوحوش، وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقر على جبل أرارات.
ملحمة جلجامش
نجح سيدني سميث في 3 ديسمبر 1872 بجمع القطع المتناثرة لملحمة جلجامش، مكتوبة في 12 لوحا، وفي لوحها الـ11 كتبت قصة الطوفان، وملخصها أن رجلا يسمى أوتنابيشتيم (زيسوثروس) أمرته الآلهة بأن يبني سفينة، وأن يحمل عليها بذور كل شيء حي، والسفينة التي بناها سيكون عرضها مثل طولها وأنه نزل مطر مدرار.. إلخ، ثم استوت السفينة على جبل نيصير (نيزير) وهو جبل بين دجلة والزاب الأسفل.
البقاء آية
بقيت السفينة كذكرى، فقد جاء في سورة العنكبوت ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وفي سورة القمر {ولقد تركناها آية فهل من مدكر}، وفي سورة الشعراء {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَان أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}.
وقال قتادة «أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة»، وقال عبد بن حميد «أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة».
وقال قتادة «ألقى الله عز وجل السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرا، وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادا».
اكتشافات مزعومة
زعم كثيرون اكتشافهم موقع السفينة، ويعتقد الأرمن بوجودها على قمة جبل أرارات الذي استولت عليه تركيا من أرمينا عام 1921 في عهد كمال أتاتورك وبعد 7 سنوات من المذابح التركية للأرمن.
وفي عام 1829 تسلق أستاذ الفلسفة في جامعة تارتو فريدريك بارووت جبل آرارات باحثا عن السفينة، لكنه لم يشاهدها، إلا أنه قال «قد تكون مطمورة تحت طبقات الجليد في قمة الجبل»، تلاه على خطاه المؤرخ والأستاذ في جامعة أوكسفورد جيمس برايس 1876 ووجد قطعة من الخشب في قمة الجبل.
تحديد مكان رسوها
استوت سفينة نوح بعد انتهاء الطوفان على الجودي، حسب ما حدده القرآن في سورة هود {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين}.
والجودي حسب أغلب المفسرين جبل يقع اتجاه الموصل العراقية القريبن من الحدود التركية.
يقول أبو إسحاق الزجّاج «الجودي جبل بآمد، وآمد هي أكبر وأشهر مدينة في جنوب شرق تركيا، وقد أطلق عليها العرب لاحقا اسم ديار بكر»، وتبعد ديار بكر عن مدينة القامشلي السورية بضعة كيلومترات فقط.
وذكر كتاب الحسن بن أحمد الهمداني المتوفى سنة 360 هجريا الجودي، فيقول «سفينة نوح إن أردت بعد أرض الموصل مررت بتكريت وكان الثرثار عن يمينك وأكثر أهل الموصل مذحج وهي ربيعة، فإن تياسرت منها وقعت في الجبل المسمى بالجودي يسكنه ربيعة وخلفه الأكراد، وخلف الأكراد الأرمن، وإن تيامنت من الموصل تريد بغداد لقيتك الحديثة وجبل بارما يسمى اليوم حمرين».
أصل تسمية الجودي
اختلف في تحديد أصل تسمية الجودي، ففي كتاب «خلاصة تاريخ الكردستان» يذهب السياسي الكردي محمد أمين زكي إلى أن «لفظ جودي معروف من كلمة (كوتي – جوتي) لأن ناقليها العرب ينطقون حرفي (g، ك) جيما فيقولون (إنكليزي، إنجليزي) كما أنه لا تخفى القرابة بين حرفي (د) و(ت) في المخرج، ولهذا فلفظ (كوتي) التاريخي في الكتب العربية مرسوم على هذا الشكل الـ(جودي)، وبناءً على هذا التخريج يكون معنى جبل (الجودي) جبل الـ(كوتي، كورتي، كردي)، ولفظ الجودي كان مستعملا كذلك في تسمية السومريين للأكراد، ثم جاء بعدهم اليونانيون والرومان الذين أطلقوا عليهم اسم كاردوك أو كاردوكي».
ادعاء غير صحيح
عام 1987 أعلنت أكبر صحيفة تركية اكتشاف السفينة وهو اكتشاف غير موثق، وبين الجيولوجي جين جين لورنس أن ما تم العثور عليه مجرد تكوين طبيعي، وحتى أن أحد مكتشفي ما قيل إنه السفينة ويدعى ديفي فاسولد تراجع لاحقا، وأكد أن ما تم اكتشافه ليس سوى تكوين طبيعي، وقال «اعتقدت فعلا أنني كنت قد وجدت سفينة نوح لأنني كنت محاطا بأشخاص أرادوا العثور على سفينة نوح. فقد كان حجمه وموقعه مناسبا كما أخبرني الناس أن الأدلة التي عثرنا عليها جيدة».
استمرت محاولات العثور على آثار السفينة واكتشاف موقعها مع مطلع القرن الحالي، خاصة بعد انتشار صور تم التقاطها عبر الأقمار الاصطناعية لنتوء في قمة جبل آرارات لكن مجلة «National Geographic» استبعدت أن تكون الصورة الجديدة حقيقية.
وفي 17 يونيو 2004 زعمت إحدى البعثات أنها اكتشفت السفينة وقدمت صورا ومخططات عن بعثتها، لكن نتائجها ما تزال مرفوضة من قبل المجتمع العلمي.