عرفناك تقرأ كل قريب وبعيد ومكشوف ومستور، فهل قرأتها يا أخي؟ جملة اعتلت قنوات وصحفا ورسائل وإعلانات ليل نهار، ليثبت معناها في حياتنا وينبث أثرها في حركاتنا وسكناتنا ومسالكنا، وهل فهمت منها شططك القديم؟ كلمتان فيهما خير عظيم وتكليف بليغ: كلنا مسؤول، شهدهما القاصي والداني.

أكتب لزميل عزيز عملت معه سنوات، لعله يقرأ فيراجع نفسه ومواقفه، كان أحدنا يذكر خللا طارئا أو يبحث إصلاح عيب أو يكتب لاستكمال نقص، فاذا بذاك الزميل يسرع من حيث كان، من آخر دهليز أو صالة أو من طرف مكتب، فينبري منكرا على المتحدث قوله! كنت ترى أحدنا يرد محتدا على زميلنا ذاك أنه لا يملك المبنى وخدماته وليس وحده موظفا فيه، وليس هو الغيور الأوحد. وكنت ترى آخر يوضح أن المقصود ليس ذلك الزميل بذاته بل ولا حتى إدارته، وقد يتدخل ثالث ليبين أن أحدنا ربما أعطى من وقته الخاص وتعب واجتهد في غير موقعه، وربما قدم من ماله لحل بعض الأمور وإنجاز العمل، وهذا دليل اشتراكنا جميعا في الخدمة، ثم لم ينته عجبنا إلا يوم علمنا من قريب لزميلنا ذاك أنه كان في نشأته يحاسَب بشدة على أتفه النواقص حتى وإن لم تكن منه، ويؤاخَذ بعنف حتى على أخطاء غيره، وربما ضُرب ولم يعرف لضربه سببا! فانطبع في أعماقه قلق وتملكته الهواجس وشلّه الخوف، فاعتاد أن يسرع بالاعتذار والمهادنة أولا ثم اعتاد الدفاع ثم الحدة كلما سمع كلمة تذمر أو عتاب أو طلب، بل حتى إذا مر عليه اقتراح تبرع ومساعدة!.

أخي الزميل القديم العزيز، لست تعمل وحدك، ولست أحرص ممن معك في إمضاء الأمور من حسن إلى أحسن، هوّن على نفسك أنت وأمثالك، وعالج اختلاج قلبك وارتجاف قسماتك الذي يظهر لكل من يراك حين تسمع توقعات وطلبات وشكوى ومناقشة.


تقبل وافهم أنها أمور حتمية في كل زمان ومكان، بل مشروعة ومطلوبة، دستورنا العظيم وضع قاعدة للاتزان تقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى، فإن رأيت أحدا غلا وأمعن في أمر مع موظف غيرك فاتركهما يتصرفان حتى تفهم، ثم إن أردت الميل فليكن مع الواقع والصواب، وانسَ من كنت ترتجف أمامهم وتدافع في صغرك فقد انتهى ذلك الوقت، وتذكر أنك الآن مكلف مستقل وراشد تخدم وتسمع، تعيش وتتوقع ما يعيشه ويتوقعه غيرك، وأنك لا تضمن كل شيء لكنك تملك الاجتهاد والمحاولة والتلطف، فلا تفرط في القلق ففيه تعطيل لك ولزملائك. وها قد عشت بنفسك ما عشناه جميعا من تأكيد ولاة أمرنا أيدهم الله لدستورنا بأننا أولا وأخيرا ودائما: كلنا مسؤول، لنحيا جميعا أسعد حياة.