اليوم قررت الكتابة. قررت أن أعود إلى حيث الذات، فالكتابة هي المشروع الأقدس لإخبار الروح كي تبوح. ففي هذه اللحظة البوح يعلن عن نفسه، والشوق يعرب عن حاله، والكلمات تحاول أن تقول ما آلت إليه الروح من شجن. الرغبة لا تزال قائمة في الحديث عمن أنست به الروح طربا، ذاك الذي لولا الملامة لتعرت الأحرف واصفة محاسن جمال روحه. ذاك الجميل في المختصر، فالاختصار أحيانا يكون أكثر دقة من الإطناب في وصف مثل هكذا كائن بحري، نعم إنه بحري المحتوى، عميق في كل تفاصيله، لطيف في منظره، وأحببته بتفاصيله تلك. منذ زمن وأنا أفتقد حضوره، مذ كان العشاق يكتبون على أكتاف الذكيات دماء..

كانت واسعة القلب، تشبه بغداد قليلا، ويتقاربان بجريان دموع عينيهما. فلا تزال بغداد على عادتها تبكي دماً. يوم أمس، صفف القدر لي صورا ما كنت قد تصورت أنها آتية، جاءت بلا مواعيد مسبقة، كتأريخ بغداد المبعثر.

إحدى تلك صور كانت لها، لها هي وحدها. فلا تزال تغويني الرغبة في ملامسة ماهية مختصراتها، نعم مختصرات فقط.


فلم تترك لي حكاية كاملة، ولا جمل مقفلة بنقاط، ولا فواصل حتى، غير فاصلة واحدة اسمها هي. يبدو لي أحيانا أن حتى الكتابة هي مختصر من مختصراتها، أو لربما هي أحد أركان شخصيتها، فكانت تحب الأحرف، تعشق الكلمات، تلمس القلب قبل القلم. وكنت أحب تفاصيلها تلك، وما زلت أشتاقها بين كل فاصلة ونقطة، بين كل حرف وحركة، بين كل قلم وورقة، وبين كل امرأة وأخرى! فهي المرأة التي تستحق أن تذكر، تستحق أن يخط اسمها على مرأى كل عاشق، وترسم تفاصيل مختصراتها على أيقونة الترتيل السريع، على إيقاع النهج المبطن بالحياة. فإليها أعلن شوقي الآن، وإليها وحدها أكتب منذ قطيعة.. فاليوم قررت أن أكتب.