ترتفع الأصوات عقب كل ضربة تنفذها العناصر الإرهابية الحوثية ضد القيادات العسكرية أو مواقع التدريب أو الأعيان المدنية في الداخل اليمني، متحدثة عن اختراقات يقف خلفها عملاء الحوثي داخل صفوف الشرعية، وتكثر الادعاءات أنهم يزودون الحوثي بالإحداثيات والمواقع والأهداف، لكن كثيرين يسقطون أهم عناصر المعادلة الاستخبارية التي تمارسها عصابات الحوثي، والمتمثلة بسيطرة الانقلابيين على قطاع الاتصالات الذي ما يزال خاضعا لسلطتهم في صنعاء، وما يزال مستخدما في كافة مواقع سيطرة الشرعية.

وحمّل كثيرون وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة الشرعية مسؤولية عدم سحب مركز الاتصالات إلى أحد مواقع السلطة الشرعية، أو في أسوأ الظروف البحث عن شبكة بديلة، خاصة أن كافة المكالمات الصادرة والواردة تخضع لرقابة وتصنّت وتتبع الحوثيين في صنعاء، لتبدأ بعدها عملية إرسال الصواريخ إلى المواقع التي يستهدفها الحوثيون.

سيطرة تامة


يقول خبير الاتصالات اليمنية، مهندس الإلكترونيات محمد المحيميد لـ»الوطن» «مؤسسات الاتصالات والإنترنت والبريد الحكومية والخاصة في جميع مناطق اليمن المحررة وغير المحررة تخضع لسيطرة الحوثيين ويتم التحكم بها من صنعاء، حتى أن الموظفين في المؤسسات التابعة للاتصالات في المناطق المحررة يتبعون ماليا وإداريا للحوثيين في صنعاء، كما يتم توريد أموال الاتصالات من المناطق المحررة إلى صنعاء».

ويضيف «ليس هناك سبب مقنع لعدم سحب قطاع الاتصالات والإنترنت من الحوثيين في صنعاء والتحكم به من قبل الشرعية، فالجوانب القانونية والفنية والمالية والإدارية كلها في جانب الشرعية».

ويكمل «وزير الاتصالات في حكومة الشرعية ليس معه من الوزارة سوى اسمها فقط، فكل مؤسساتها تحت سيطرة الحوثيين بما فيها مؤسسات الوزارة في عدن ومأرب وبقية المحافظات المحررة، بل إن الشركات العامة والخاصة يمكن نقلها إلى عدن أو حضرموت وفصلها عن الحوثيين».

ويتابع «حسب علمي، فإن وزير اتصالات الشرعية يضع العراقيل أمام انتقال تلك الشركات إلى المناطق المحررة».

نصف المعركة

يستطرد المحيميد «يجني الحوثي فوائد جمة من سيطرته على قطاع الاتصالات، وقد أجريت دراسة مفصلة عن تلك الفوائد في مختلف الجوانب السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والأمنية والعسكرية، وأستطيع الجزم أن احتفاظه بقطاع الاتصالات يمثل نصف النصر بالمعركة، فهو أهم مورد مالي اقتصادي يدعم مجهوده الحربي، وهو وسيلة فعالة للسيطرة المركزية والتحكم أثناء المعارك العسكرية».

ويوضح «يكفي أن يتم العلم أن استهداف الأفراد والمواقع العسكرية والمدنية للشرعية وقوات التحالف يتم عن طريق الاتصالات، فهي أداة تجسس دائمة ومستمرة بيد الحوثيين ومن خلالها يمكن تتبع الأهداف التي يريدونها في المناطق المحررة، ومن خلالها تتم مراقبة أي معارض لهم في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، ويمكن أن نقول إن الحوثي عندما يبدأ في الهجوم على منطقة معينة فأول إجراء يقوم به هو قطع الاتصالات والإنترنت عنها، كما حصل في الجوف ونهم أخيرا، ومن قبل في حجة وحجور، وهذا القطع يمثل تعتيما كاملا لكل ما يجري في تلك المناطق المستهدفة، ويصبح الحوثي مصدر المعلومة والمتحكم بها، بينما قاطنو تلك المنطقة لا يستطيعون إيصال جرائمه وانتهاكاته وتحركاته لأنهم لا يجدون أي وسيلة اتصال بعد قطع الاتصالات والإنترنت عنهم، وبعد أن ينتهي من مهمته يعيد فتح شبكات الاتصالات».

شبكة خاصة

يشدد المحيميد على أن للحوثي شبكات اتصالات خاصة منذ أيام الحروب الستة عندما كان في كهوف وجبال صعدة، ولكنه لم يكن يحلم بأن تصبح وزارة الاتصالات ومؤسساتها وشركات الاتصالات الخاصة والعامة تحت سيطرته ومراقبته، وهنا أحب أن أنبه إلى أن كل شركات الاتصالات ومستخدميها يخضعون للرقابة والتجسس من قبل الحوثي، من خلال أجهزة رقابة تتبع الأمن القومي منذ أيام علي صالح».

ويبين «أسهل وسيلة اليوم لتتبع الفرد هي هاتفه الخلوي، فمن خلال الشريحة في الهاتف يمكن تحديد مكان كل فرد والتجسس على مكالماته ورسائله، فمثلا لم يحتج الحوثي لاستهداف قيادة وزارة الدفاع في مأرب إلى جواسيس على الأرض، إذ يكفي أن يراقب هاتف أحد المرافقين للوزير أو رئيس الأركان ليحدد مكان الجميع ويتم استهدافهم سواء بصاروخ باليستي أو عبر طيران مسيّر، والحوادث في هذا الباب كثيرة، ومنها مقتل أبو اليمامة في عدن، واستهداف حفل عسكري في العند قتل على إثره نائب رئيس هيئة الأركان صالح الزنداني، وأيضا استهداف قائد المنطقة الرابعة السابق أحمد اليافعي في الحديدة وحوادث أخرى كثيرة.

موارد ضخمة

يعدد المحيميد الموارد المالية الضخمة التي يجنيها الحوثي من قطاع الاتصالات والإنترنت، ويقول «أثبتت الدراسة التي أجريتها عن القطاع أن من أهم الموارد المالية للحوثي الذي يتفنن في جبي الأموال بوسائل شتى، وبين عامي 2014 و2018 حصل الحوثي من شركات الاتصالات الثلاثة، يمن موبايل، سبأ فون، إم تي إن، على 1.082 مليار دولار فقط تحت بند الضرائب والزكاة، وهناك موارد أخرى من قطاع الاتصالات والإنترنت، حيث يمكن ذكر ما يقارب 90 مليون دولار سنويا من فارق الاتصالات الدولية، حيث يستلم الحوثيون هذه المبالغ من مختلف الدول باستثناء المملكة التي رفضت تسليم أي مبلغ لهم منذ انقلابهم على الشرعية».

ولعل هذا يضاف إلى المخاطر الأخرى التي يشكلها عدم سيطرة الشرعية على هذا القطاع في الجوانب العسكرية والأمنية.

أجهزة تجسس

يكشف وكيل أول محافظة الحديدة وليد القديمي لـ»الوطن» عن وصول أجهزة تجسس اتصالات حديثة مع كادر إيراني إلى صنعاء‬ عبر موانئ الحديدة، وقال «ستمكن هذه الأجهزة الحوثي من تتبع الجميع، حكومة وقيادات عسكرية وشخصيات اجتماعية مؤثرة، وما جرى لنجل ومرافقي رئيس هيئة الأركان الذي كان هو المستهدف دليل على ذلك، وفي الأيام المقبلة سنرى استهدافاً لكثير من الشخصيات عبر تحديد مواقعهم باستخدام شرائح الهاتف.ويقول «لا يتعين على من يدرك أن رقمه قيد المتابعة أن يغير شريحته فقط، بل وحتى هاتفه، فبرامج التجسس تلاحق حتى الأرقام المتسلسلة للهاتف، ويتم التتبع عبرها حتى مع تغيير الشريحة». ويكمل «هناك أجهزة تنصت حديثة في حوزة الميليشيات لرصد وزراء وقيادات عسكرية في الحكومة الشرعية، وقد حذرنا من استخدام الهواتف المحمولة في هذه المرحلة، بعد أن أصبحت تحت طائلة المراقبة والرصد من قبل الميليشيات الانقلابية التي حصلت على أجهزة تنصت وتشويش حديثة من طهران، ونكرر دعوة وزير الاتصالات لإتاحة الفرصة لشركة اتصالات جديدة في مناطق سيطرة الحكومة تحمي الجميع من التجسس والمتابعة، كما نشدد على ضرورة حسم معركة الحديدة وموانئها حتى ننهي الدعم الإيراني للحوثيين عبرها».

خطورة السيطرة

يؤكد رئيس مركز نشوان للدراسات عادل الأحمدي لـ»الوطن» أن ملف سيطرة الحوثيين ومن خلفهم إيران على قطاع الاتصالات في اليمن يعد أحد أخطر المواضيع المتصلة بمعركة اليمنيين والتحالف ضد هذه المليشيات، إذ أن هذا القطاع السيادي، يكاد يكون قضية عسكرية وأمنية بالدرجة الأولى ثم اقتصادية بدرجة ثانية.

ويقول «عندما نتحدث عن الاتصالات، فإن الأمر يعني شركات الهاتف المحمول في كل اليمن، إضافة إلى خدمات الهاتف الثابت ومكاتب البريد وشبكة الإنترنت التي تغذي مختلف مناطق اليمن، باستثناء نسبة محدودة من سكان عدن يعتمدون على الشركة الحكومية «عدن نت».

وإذا ما تذكرنا أن السيطرة على شبكة الاتصالات تمنح الحوثيين أرشيف المكالمات وخدمات التنصت وتحديد المواقع وغيرها من الجوانب لكافة اليمنيين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة على الأقل، علماً أن الجميع يستخدمها حتى بالنسبة للمسؤولين الذين يستخدمون أرقاما خارجية فإن المناطق التي يتواجدون فيها لا تعدم استخدام الشبكات المحلية، وهو ما يعني أن ملف الاتصالات يمثل أولوية قصوى وسوف يختصر كثيراً من تحديات معركة تحرير البلاد من الميليشيات».

ويكمل «عائدات قطاع الاتصالات تكاد تكون من أكبر الموارد التي تدر مئات المليارات من الريالات اليمنية سنوياً على الحوثيين، ووفقا لمختصين، فإن مهمة تحرير القطاع ليست على قدر كبير من الصعوبة بقدر ما تتطلب تحركات منسقة من الحكومة بالتخاطب مع جهات الاتصالات الدولية التي تقدم الخدمة للشركات المحلية وغير ذلك من الخطوات».

ويتابع «هناك شبه إجماع لدى كثير من المسؤولين والمهتمين بهذا الملف، بأن القضية لا يجب أن تكون حكرا على رؤية وقرار الوزارة المعنية، بل يجب أن تستغرق جهود وتحركات كافة الجهات المعنية في الشرعية، وبإمكان التحالف أن يقدم الدعم اللازم لتحرير هذا القطاع، ويقوم بمتابعة ملفه، بما من شأنه أن يحدث تحولاً كبيراً في مسار المعركة الأساسية لاستعادة مؤسسات الدولة اليمنية المختطفة بأيدي الميليشيات».

فوائد مادية للحوثي من الاتصالات

1.082 مليار دولار الإيرادات بين 2014 و2018

90 مليون دولار من فوارق الاتصالات الدولية سنويا

مخاطر سيطرة الحوثي على الاتصالات

مراقبة وتتبع جميع الاتصالات

تحديد الإحداثيات والمواقع والأهداف

وسيلة سيطرة فعالة خلال المعارك

دعم المجهود الحربي

تأمين موارد مالية ضخمة للحوثي

وسيلة فعالة للسيطرة المركزية

التحكم بأداة تجسس دائمة ومستمرة

مراقبة المعارضين والمسؤولين

التحكم في المعلومات التي يمكن تدفقها عبر الاتصالات والإنترنت