لكن، كل من أدلى بدلوه في هذا النقاش الشعبوي والعاطفي حول الاختبار لم يقف عنده ولو للحظة، سواء كانوا باحثين مثل الأكاديميين -دون أن أسمي أحدا منهم- أو المذيعين وعلى رأسهم خالد مدخلي في برنامجه نشرة الرابعة، عندما التقى المهندس علي الغبيشي، وتجاهل كليّاً الحديث المنطقي والعلمي الذي أدلى به الغبيشي، وطفق ينافح عما ورد في هاشتاق بـ«تويتر»، يعرف ونعرف كيف تحشد التغريدات في مثله.
على كل حال، نحن في أزمة أدت إلى وجود آلاف من خريجي الثانوية العامة تجاوزوها دون اختبارات، أي أن لدينا تضخما في معدلاتهم ستجعل الجامعات تواجه نسبا كبيرة جدا، وطلابا متفوقين جدا -ليس بجهدهم- ولكن بسبب إلغاء الاختبارات، ألا يدعو ذلك فقط إلى التفكير في أهمية الاختبار التحصيلي وضرورة عقده لتحقيق العدالة نوعا ما؟، خاصة أنه كأداة تم قياس معامل الصدق والثبات فيها، وثبتت قوته، والأكاديميون يعلمون يقينا أهمية ذلك للاختبارات وعدالتها ومصداقيتها، أي أن لديك اختبارا، واختبارا جيدا سيعقد لطلاب تفوقوا دون اختبار، وهو يمنحهم فرصة للمذاكرة، كونه يتناول موادهم الدراسية التي تجاوزوها دون اختبار، وهنا يختلف عن اختبار القدرات.
أما التلويح بورقة الغش -مع يقيني بصعوبته لسبب الاختبار- يحتاج إلى كنسلتو معلمين «فريق متخصص» معلم كيمياء وأحياء ورياضيات وفيزياء، وقبل كل هذا لدينا مجتمع مسلم، كل فرد فيه يخبرنا -كل يوم- أنه يعلّم أولاده الصدق مع الله عزّ وجلّ. فالأصل عدم حدوث الغش وليس حدوثه، ومع ذلك ذكرت الهيئة أن الأرقام مبدئية، وأن نسب الغش متوقعة، وستعلن نتائج المخالفات مع العقوبات، خصوصا أن النسب العالمية للغش في هذه الاختبارات تأتي بين 12-15 %.
أيضا هذا العام -وبسبب كورونا- لدينا خريجون في كل الجامعات، وطلاب مدارس كلهم تخرجوا وانتقلوا إلى صفوف أعلى عبر التعليم عن بُعد، فهل نشكك في استحقاقهم هذا التخرج، ونثير قضايا غش أيضا؟!
واقعة الجدل المثارة هذه لا شك أنها دفعت آلاف الطلاب إلى التراخي والانخداع، وعدم الاستعداد للاختبار، ولعلها تجربة حياتية تعلمهم احترام الجهات المسؤولة عن تعليمهم، وتجاهل «تويتر» والمشاهير، واعتبار كل استعداد للاختبار فرصة لهم للتعلم.
أخيرا، هذا الاختبار ما كان له أن يتم دون تضافر الجهود بين وزارة التعليم والهيئة، لتحقيق الفائدة لطلاب هم مستقبل السعودية. وهاتان الجهتان أكثر رحمة ورغبة في تفوقهم من كل صوت يدّعي ذلك.