وليس هو التشدق بها أو ادعاؤها مع تخلف العمل بمدلولها، فالوطنية الزائفة يتظاهر صاحبها بالغيرة والحرص ويلوم غيره ليسدل بتظاهره ولومه الحجب الكثيفة على ماضيه أو واقعه. وكثيرا ما يكون هذا النوع المزيف من الناس ضعيف الذاكرة حتى للقريب من الأزمات والحوادث. يغالط بتظاهره نفسه، ويخدع بادعائه ضميره، وكأنه ينسى أن للحوادث (لسانا) ناطقا تسمعه آذان البناة المغمورين، وتعيه قلوبهم، وأن للحقائق (دوما) طاحنا دونه كل ضجيج التافهين وأوهامهم، وأن خداعه لا يتجاوز نفسه الحقيرة، وتظاهره: لا يعدو واقعه المنحرف، وسجل الشرفاء يتوج قوائمه المضيئة دائما بأسماء المخلصين لمعتقداتهم ومبادئهم وأهدافهم، والمترفعين في كبرياء محمود عن ذل المساومة، وهوان الخيانة.
ومسكينة هي (الوطنية) كم تعلق بها أعداؤها، وانتحلها لصوصها، وتظاهر بها خصومها ليستروا ماضيا مشينا، أو واقعا مخزيا، أو ليعبروا عن لهفتهم على وضع تخلى عنهم بعد أن وصمهم بالخيانة والخزي.
ومن الحقائق دائما تتبدى نقطة الصفر، ومهما حاول الناس حجب الحقيقة أو خداع الناس عنها فستظل دائما واضحة ومضيئة لأنها.. هي الحقيقة.
1963 *
* كاتب ووزير سابق «1933- 1987».