في خضم أزمة جائحة كورونا، والعالم برمّته مرتبك من زيادة أعداد الإصابات وكثرة الوفيات، ظهر الرئيس الأمريكي مع مساعديه ومستشاريه في إحدى القنوات الإخبارية دون أي احترازات وقائية، كلبس الكمامات والقفازات، الأمر الذي لفت انتباه كثير من الناس، منهم أحد المواطنين الخليجيين، والذي علّق على الخبر بتعليق انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لافت للانتباه، إذ كان يردد كلاما قائلا: «أين كورونا، لماذا لا يلبسون الكمامات، إنها مؤامرة... إلخ»، فلمّا وصلني هذا المقطع، رأيت من المناسب التعليق على مشهد كهذا، والذي ظاهره التشكيك في الجهود التي تبذلها الحكومات للوقاية من هذه الجائحة. ومن حق المتأمل أن يتساءل قائلا: هل يمكن لمشهد عابر لرئيس أقوى دولة في العالم، وأكثر الدول تضررا بجائحة كورونا، والذي تخطت فيها أعداد الإصابات حاجز المليون، وأعداد الوفيات المئة ألف، أن يكون دليلا لنسف آلاف الجهود التي بذلتها تلك الدولة ومثيلاتها لمواجهة جائحة مثل كورونا «Covid -19»؟. كيف والمتابع لمؤتمرات تلك الدول على قنواتهم الرسمية، مثلا «CNN وFOX News» يعلمُ أنهم يحذّرون من التقارب الاجتماعي والمصافحة، والتى خطرها في انتقال العدوى أكثر من غيرها، بل لو كانوا يظنون أن المرض غير موجود لما عقدوا المؤتمرات تلو المؤتمرات لمناقشة سبل الوقاية والحد من انتشارة، ولما جيّشوا الجيوش، وفرضوا حصارا اقتصاديّا على ولاياتهم لبضعة أشهر، استنزفت طاقاتهم وجهودهم. فهل يعقل أن نكون أمام خدعة كبرى تنفي وجودها أدلة ملء السمع والبصر؟! ثم يحق للقارئ الكريم أن يسأل، فيقول: هل تستحق هذه المخاطرة والتهويل الإعلامي هذه الخسائر المادية والاقتصادية التي غرمتها تلك الدول لأجل هذا؟! وهل يصح لنا أن نكذّب أرقاما وأجسادا من المرضى نراها ونشاهدها في الداخل والخارج، ثم نصدقُ مشهدا عابرا ربما يتحمل مسؤوليته من قام به؟! هل من المعقول أن يتفق العالم، في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، على مخطط واحد يجتمعون عليه جميعا، دون أن يكون هناك أي تسريبات لتلك المخططات أو اختلاف في وجهات النظر تفسدها وتئدها وهي في مهدها. أليس من العقل والمنطق أن نأخذ بسُبل الوقاية والحذر من المرض، حمانا الله منه وجميع المسلمين، بدلا من التشكيك والتكذيب فيه، فلأن نكونَ حذرين ومتنبهين ونسلم -بإذن الله تعالى- أولى من أن نكون متساهلين وغير مبالين، ثم نُعد من قائمة المصابين -لا سمح الله- حينها لا تنفع ساعةُ تشكيك أو تكذيب، فالعاقل من يحتاط لنفسه ولمجتمعه ولا يكونُ أنانياً لا يُحبُ إلا ذاته يلبي لها رغباتها. ألا نعلم علمَ يقين أن لكلِ دولة استقلاليتها في طريقة توعية مواطنيها للحد من انتشار المرض بينهم، وبلادنا -حفظها الله- من هذا الوباء، هي من تلك البلاد التي لها نظرتها الثاقبة في توجيه شعبها بما تراه ملائما ومناسبا، فما تراه دولة من الدول في عدم التركيز على لبس الكمامات ضروريّا كضرورة التباعد الاجتماعي بالمسافة المطلوبة والموصى بها من منظمة الصحة العالمية «بريطانيا وأمريكا على سبيل المثال»، ليس بالضرورة تطبيقه على بلاد أخرى كالدول العربية، والتي تعاني مجتمعاتها كثيرا من تعدد العلاقات الاجتماعية والأسرية المعقدة، والتي تحتاج ردحاً من الزمن كي تُحدّ منها. لذا، فإن حكومتنا الرشيدة -حماها الله- ارتأت ضرورة لبس الكمامات في الأماكن العامة المفتوحة والمغلقة، بل وفرضت غرامات مالية على المخالفين، وهذا القرار حقٌ من حقوقها تجاه شعبها كي تحافظ عليه، وكي تخفف العبء الكبير، والذي سيطولُ قطاعها الصحي فيما لو تفشى المرض تفشيّاً تصعب السيطرة عليه. ولو سلّمنا جدلا ووافقنا من ينكر أو يشكك في وجود فيروس كورونا «Covid 19»، فإنه لمن الوارد أن نكون ملزمين بعدم التسليم المطلق بجميع الأمراض والأوبئة المعدية، والتي كانت موجودة على مر العصور، كالكوليرا والحصبة والجدري، بل لا بد لنا أن ننفي وجود الأنفلونزا الإسبانية قبل قرن من الزمن، والذي كان من أكثر الأمراض فتكا وتدميرا، إذ خلّف وراه أكثر من 40 مليون قتيل، بل إنه بعد أن خفف كثير من الدول الحظر والتجول على مواطنيها، خرج الناس في ذلك الوقت في الطرقات فرحين ومستبشرين، ولكن سرعان ما عاود المرض تفشيه في موجة أخرى أشد ضرواةً من سابقتها، قضى فيها على عشرات الملايين من البشر. فليس من اليسير على عاقل أن ينكر أو يشكك في وجود مرض ووباء ككورونا، وهو يشاهد مسؤولي دول العالم أجمع يغلقون بلادهم، وتجاراتهم ومطاراتهم، ويتكبدون الخسائر، بل ويضخون المليارات كي يواجهوه ويحدّوا من انتشارة، ثم نصدقُ لقطاتٍ مقتضبة لمؤتمرات، أو تجمهر بعض جموع الناس في بعض الدول الغربية، والتي أقل ما يمكن وصفها بأنها مواقف غير مسؤولة، لا تمثل إلا نفسها، وليس الواقع الحقيقي الذي يعيشه العالم أجمع. ألا يحق لنا أن نسأل بعضنا بعضا عن الدوافع التي دفعت كثيرا من دول العالم في رفع الحظر عن بلادها، على الرغم من تزايد أعداد الإصابات والوفيات لديها؟، ألا يتبادر إلى ذهنك أن ذلك مدعاة للشك والتردد حول الموضوع برمته؟ إن غالبية تلك الدول أغلقت بلادها -داخليًا وخارجياً- منذ بداية الأزمة وطوال الأشهر الـ3 الأولى، ثم بعد أن تزايدت أعداد الإصابات، قامت بتخفيف القيود المفروضة على شعوبها، فهي بين خيارين أحدهما مُرّ، إما أن تستمر لمدة أطول في فرض القيود وحظر التجول وإغلاق التجارة داخلياً وخارجياً، مما سيكون له الأثر السلبي على اقتصاداتها، بل والانهيارات لبعضها، وإما أن تُعيد الحياة إلى طبيعتها السابقة، بعد أن زرعت لدى مواطنيها ثقافة الحرص وأخذ الحيطة والحذر. فمن أراد لنفسه حياة كريمة بعيدة عن معاناة فيروس كورونا فليلتزم بتعليمات وزارة الصحة في بلده حال خروجه من منزله، بل إن الأولى أن يكون خروجه محدودًا للأمور الضرورية، والتي لا يستطيع العيش من دونها، وبهذه الطريقة تكون بلاد العالم أجمع قد أعادت المياه إلى مجاريها السابقة بتنشيط اقتصادها، ونقلت مسؤولية المحافظة على صحة مواطنيها إليهم، ومن كان مهملا أو غير مبالٍ بكثرة خروجه وحضوره للمناسبات والتجمعات والمخالطات غير المُلحة، فعليه أن يتحمل تبعات ذلك بإصابته -لا سمح الله- مما يضطره للمكوث في المستشفى مدة زمنية كي يتعافى، فإن تعافى فقد اكتسب مناعة من المرض، وإلا سيتم إدراج اسمه في أعداد الوفيات في بلده!. إن ديننا الإسلامي لم يترك أمرا إلا وتحدث عنه، منها حقيقة وجود الأمراض والأوبئة في بعض الفترات من الزمان، فقال الله سبحانه: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات.... الآية». بل إن السُنّة النبوية المطهرة أشارت إلى ذلك بكل تجلٍّ ووضوح، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم «لا يوردن ممرض على مصح»، والحديث الآخرالمتفق عليه أيضاً «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، فهذه الأحاديث وغيرها تدلُ دلالةٌ واضحة على حقيقة وجود الأوبئة والأمراض في بعض العصور، وكيفية الوقاية منها بطرق كثيرة، إحداها التباعدُ الاجتماعي، إذ أوصى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بعدم اختلاط الإبل المريضة بالصحيحة، بل وعزلهم وإبعاد بعضهم عن بعض، حتى لا تنتشر العدوى بين الصحيحات. أخيرا، نسأل الله أن يرفع عن بلادنا وبلاد المسلمين الكربة ويكشف الغمة، وأن يحفظ عليها أمنها وإيمانها، وأن يوفّق ولاة أمرها لما يحبه الله ويرضاه.