قبّح الله السياسة، ويعلم الله أني أبغضها، ولا أحب أن أكون سياسيّا، لأني لا أحب أن أكون متلوّنا بكل لون، ولا أستطيع أن أبطن ما أظهر، ولا أظهر خلاف ما أبطن، تلك هي سجيتي.

ولكن، بما أنني كاتب ومحسوب على الكُتاب، فسأتحدث اليوم عن إردوغان، ذلك السياسي الذي يستطيع أن يأكل أموال الناس بالباطل ثم يقول: «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك»، ويستطيع أن يقتل القتيل ويجلس جوار أهله يبكي بكاء الثكلى على فقيدها.

ما يحدث من تطورات على الساحة الليبية -ميدانيا- يعد أمرا بالغ الخطورة، فانسحاب قوات خليفة حفتر من معظم المدن كصرمان وصبراته ومن جنوب طرابلس، ثم من قاعدة الوطية وترهونة وبعدها من بني وليد، مع العلم أن الجيش الليبي كان محاصرا ميليشيات حكومة الوفاق، بل وصلت قوات حفتر إلى الحدود التونسية، وفجأة حدث تغيّر كبير في جبهات القتال.


تركيا دخلت بكل قوتها، وأرسلت خبراء عسكريين وفنيين ومرتزقة، ليس لمناصرة حكومة الوفاق -كما تدّعي- إنما لأطماع اقتصادية وسياسية. فالشركات التركية بدأت بالتنقيب عن النفط والغاز في السواحل الليبية، أضف إلى ذلك أن تركيا تريد أن توصل رسالة، أنه لن يتم التحرك في المنطقة بأي تجمع أو مشروع اقتصادي أو سياسي إلا بموافقة تركيا، فتدخلاتها في العراق وسورية وهي الآن حاضرة في ليبيا هدفه واضح، تَمدد نفوذِها والهيمنة على المصالح الاقتصادية والسياسية بالمنطقة العربية.

هذه التغيرات الميدانية بطبيعتها تهدد الأمن القومي المصري، فبالتأكيد ليبيا ستصبح منصة انطلاق جديدة لداعش وأخواتها، فالأهداف التركية المتنوعة تخدم طموح التنظيمات المسلحة، أياً كان مسمياتها، لو على الأقل تكتيكيا، ذلك أن التنظيمات الآن في الوقت الراهن، ليبيا -بالنسبة لها- هي الموطئ الوحيد الآمن لتكاثرها وسهولة حركتها وأنشطتها.

القاهرة أطلقت مبادرة كحل سياسي للأزمة الليبية، ومضمون المبادرة إيجابي ويصب في مصلحة الجميع، سيما أنها تتوازى وتتماهى مع مخرجات مؤتمر برلين واجتماعات موسكو، وكذلك خريطة الأمم المتحدة لتسوية النزاع في ليبيا، إلا أن حكومة الوفاق رفضتها وسمّتها «الإملاءات الخارجية».

لغز الملف الليبي وتغيراته الراهنة هو الصمت الدولي وسماح أوروبا وأمريكا لتركيا بكسر حظر تصدير السلاح إلى ليبيا، وتفريخ الميليشيات المسلحة في دولة عربية، خلال ما ترسله من مرتزقة ولصوص، إضافة إلى ذلك السكوت الغريب من الجزائر وتونس.