لم تنطلق تجربته من فراغ، بل هي متشربة روح المكان.. متغلغلة في التراث.. هكذا وصفت مسيرة الشاعر الراحل قبل عقدين من الزمان محمد سعيد الجشي على لسان الإعلامي فؤاد نصرالله.
ويضيف نصرالله "لعل اغترافه من مخزونه الشعري عبر مشاهد الخليج قد شكلت فضاء نصه باللون والحركة، بالنغمة والصوت، بالصورة واللمحة العابرة، حيث الافتتان بالطبيعة والدخول إليها من أبواب مشرعة على الحلم".
وأوضح نصرالله أن قصائد الجشي لم تزل في حاجة إلى رؤى نقدية جديدة تربط بين الخاص والعام في آصرة واحدة، ربما هو في عمومه يشير أيضاً لقلم راسخ، صاحب مخيلة خصبة، تستجيب لقضايا العصر بشيء من الوعي المبكر، والفهم الصحيح، وها نحن نقلب الصفحات الشعرية لنضيء بعضاً من تجاربه، ولننهل من فيض عذوبة قصائده التي حجبها الزمن، فأصبح من واجبنا الكشف عنها بإصرار ودأب وحب.
أما الشاعر محمد رضي الشماسي فيرى أن منهج الجشي الشعري ينحو لمدرسة الإحياء التي ظهرت آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، تلك المدرسة التي برز فيها محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ولعل تأثره بهذه المدرسة دفعه إلى القول: "ليتني شاعر أجيد القوافي.. مثل شوقي وحافظ والرصافي".
وأضاف أننا لا نجد في شعره نثرية الحداثة، ولا تفعيلة الشعر الحر، فسلوكه الديني ومحيطه الاجتماعي المحافظ وسيطرة القصيدة العمودية في مسيرة شبابه، فرضت عليه منهج القصيدة التقليدية بأصالتها في الشكل والمضمون، من عروض الفراهيدي وتفعيلاته والمضامين المعروفة في الشعر العربي.
أما الإعلامي أحمد الشمر فقال "إن الجشي أحد أقطاب ورواد الحركة الأدبية والشعرية في منطقة القطيف والجزيرة العربية بشكل عام، وإننا نتذكر عملاقاً من عمالقة الفكر والإبداع الذين أثروا الحياة الثقافية والفكرية بهذه المنطقة، لفترة ذهبية من تاريخها بعطاءاتهم الإبداعية المتميزة، فأسهم خلال حياته ونشأته الثقافية، وهو ينتمي لعائلة علمية متفردة، حفلت بزخم هائل من نشاطاته ومساهماته الإبداعية الشعرية والأدبية المتنوعة، التي احتفت بها الكثير من المدارس والمنتديات واللقاءات الفكرية على مستوى الداخل والخارج، فهو صاحب مدرسة شعرية متفردة أبدع في النهوض بتفعيل وتنشيط حركتها والتعريف بمنجزاتها، في تأصيل وتعزيز المشهد الثقافي المحلي على مستوى الوطن العربي.
الدكتور جميل الجـشي (الذي عمل سـفـيراً للمـملكة في إيـران سابقاً) قدم نـبذة قصـيرة من حياة الشـاعر الجـشي قائلاً: ولد عام 1338، وعمل لفترة في شركة أرامكو السعودية ثم تركها ليشتغل في الأعمال الحرة دون أن يحقق نجاحاً في ميدانها، حتى توفي عام 1410 وقد غلبت على شعره الروح الإسلامية والاهتمام بالقيم الإنسانية ومشاكل الوطن، سواء عندما يمدح أو يرثي، له ديوانان مخطوطان "في محراب الذكرى" الذي ضم معظم شعره في المديح والمراثي، وديوان "الأنغام".
بنت الفقيد الراحل الدكتورة نهاد الجشي، تحدثت قائلة "إنه وبعد عقدين من وفاته لا زال اسمه يضيء ذاكرة الوطن، فهو لم يملك ناصية الحرف وحسب، ولكنه امتلك الحضور والصوت، وكان إلقاؤه جزءاً من إبداعه، يلهب حرفه بدواخل روحه، فيأخذك إلى عالمه، إيقاعاً ينبض إيماناً وحماساً، هو المفتون بالكلمة المبـدعة إذ قلمـا تفتـح كتاب في مكتبة لا تجد بين طياته قصاصـة شعر أو قصيدة أعجبته، ولا عجب فهو عاشق المتنبي، ومتيم بالجواهري، ومسكون بدعبل الخزاعي".