لم تكن هذه القصص تستهوي الصغار وحدهم بل كان يتسامر عليها الصغار والكبار، وتروى في المقاهي والتجمعات لطرافتها وغرابتها وجمال لغتها، وربما كانت تُعتبر قصصا شعبية وأساطير، كان ما يروى هو أساس آداب وثقافة الشعوب، لم ينشأ أدب الطفل كأدب قائم بحد ذاته إلا في نهاية القرن السابع عشر في أوروبا، حيث جمع الكاتب الفرنسي (تشارلز بيرو) ما كان يروى في المنازل ودونه في مجموعة قصصية خاصة بالأطفال أسماها (حكايات أمي الأوزة)، وقد صدرت المجموعة القصصية باسم مستعار، وهو اسم لابنته الصغيرة، وكان من أشهر قصصها سندريلا وذات الرداء الأحمر والذئب. وبعد ذلك بمئة عام ظهرت مجموعات أخرى لكتّاب آخرين في أوروبا، وتأخرنا نحن واكتفينا بترجمة بعض القصص الأجنبية الموجهة للطفل، قصة (أليس في بلاد العجائب)، كانت بمثابة الأب الروحي لأدب الطفل، وبدأ معها العصر الحديث في أدب الطفل.
في أواخر القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بأدب الطفل في الدول العربية وذلك من خلال ترجمة القصص العالمية، والتي ربما لا تتفق مع التقاليد العربية وعادات المجتمع الشرقي، بالرغم من وجود كثير من الأدباء والكتّاب العرب إلا أن من كتب للأطفال هم قليلون، ربما لأن الكتابة للأطفال هي أكثر صعوبة من الكتابة للكبار، أو ربما أن الكتابة للكبار هي أكثر جدوى للمؤلف وأعظم ربحاً لدور الطباعة والنشر.
وعلى نهج إصدارات سلسلة ليديبيرد لكتب وقصص الأطفال العالمية نشأت بعض المطبوعات والإصدارات العربية، مثل سلسلة أولادنا والمكتبة الخضراء، والتي كانت تقدم قصصاً خاصة بالأطفال، وتهتم بالأدب العالمي، وكان رائد أدب الطفل في العالم العربي في القرن التاسع عشر هو الكاتب والأديب كامل كيلاني، حيث تُرجمت أعماله إلى عدة لغات منها الصينية والإنجليزية والفرنسية، وكانت كتاباته للطفل من كل الثقافات لذلك لاقت رواجاً عالمياً.
وحينما نتحدث عن رواد أدب الطفل لا بد أن نذكر الكاتب والإعلامي السعودي يعقوب محمد إسحاق (بابا يعقوب)، وهو من أشهر كتّاب الأطفال، فقد أثرى مكتبة الطفل بأكثر من مئتي مؤلف. كما أنه صدرت مجلات خاصة بالطفل مثل مجلة سمير ومجلة حسن ومجلة ماجد، كنت واحدة من مشتركي مجلة ماجد في طفولتي، كنت أنتظرها أسبوعيا بكل شغف.. فقد أطفالنا هذا الشغف لأن الفضائيات والأجهزة الذكية سلبت الألباب واحتلت مكان الكتاب، فقل معدل قراءة الطفل العربي فهو لا يتجاوز 6% خارج المنهج الدراسي، بينما يقرأ الطفل الأمريكي قرابة 11 كتابا في السنة، فهل هذا لقلة الإنتاج للطفل العربي، حيث إنه لا يتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي أو هو عزوف الطفل عن القراءة وفي كلا الحالتين هو مؤشر مقلق.